للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت عليه، فهل نُناظِره لإزالة الشبهة وإيضاح الحق؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأن الحُجَّةَ مقدَّمةٌ على السيف.

والثاني: لا؛ لأن، الشبهة لا تنحصر، وقد يوردُ بعضها إثر بعْض، فتطول المدة، فحقُّه أن يسلم، ثم يُسْتَكْشف ويبحث بمراجعة العلماء، وهذا أصحُّ عند صاحب الكتاب، وحكى القاضي الرويانيُّ الأول عن النصِّ، واستبعد الخلاف فيه، وعن أبي إسحاق؛ أنه لو قال: أنا جائع فأطعموني، ثم ناظروني، وكان الإِمام مشغولاً بما هو أهمّ منه تَأَتَّيْنَا به، والله أعلم.

ونختم الفصْل بخاتمة فيما يَحْصُل به توبةُ المرتدِّ لاشتماله على ذكْر توبته، وفي معناها إسلام الكافر الأصليِّ، وقد وصف الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- توبته، فقال: أن يشْهَد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، ويبرأ من كل دين [خالف] الإسلام، وذكر في موضع آخر؛ أنه إذا أتى بالشهادتين [حُكِمَ] (١) بإسلامه، وليس ذلك باختلاف قول عند جمهور الأصحاب، كما [بينا (٢) في] كتاب "الكفارات"، ولكن يختلف الحال باختلاف أحوال الكفار وعقائدهم، قال في "التهذيب" إن كان الكافرُ وثنيّاً لا يُقِرُّ بالوحدانية، فهذا قال: لا إله إلا الله، حكم بإسلامه ثم يجبر على قَبُول سائر الأحكام، وإن كان مُقِراً بالوحدانية غيْر أنه ينكر رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يُحْكَم بإسلامه بمجرَّد كلمة التوحيد، حتى يقول: محمَّد رسول الله، فإن كان من الذين يقُولون: إن محمداً مبعوث إلى العرب خاصَّة، أو يقول: إن النبي محمداً يبعث من بعْد، لم يحكم بإسلامه، حتى يقول: محمد رسول الله إلى كافة الخلْق، أو يبرأ من كل دين خالَفَ الإسلام، وإن كان كُفْره بجحود فرض، أو استباحة محرَّم، لم يصح إسلامه، حتى يأتي بالشهادتَيْن ويرجع عمَّا اعتقده، ويُسْتحب أن يمتحن كلُّ كافر أسْلَمَ بالإيمان وبالبعث، ولو قال الكافر: أنا وليُّ محمدٍ أو أحب محمداً لمْ يصحُّ إسلامه؛ لأنه قد يحبُّه؛ لخصاله الحميدة، وكذا لو قال: أنا مثلكم أو مؤْمن أو مُسْلِم أو آمنت أو أسلمت؛ لأنه قد يريد به في البشريَّة، ومؤمن بموسى، ومنقاد لكم، ولو قال: أنا من أمة محمَّد أو دينُكُم حقٌّ، حكم بإسلامه، ولو أقر بركن من أركان الإسلام على خلاف عقيدته، كفرضية [الصلوات] الخمْس أو إحداها أو أقر بتحريم الخمر والخنزير، حُكِم بإسلامه وما يصير به المسلمُ كافراً إذا جَحَدَ، يصير به الكافرُ مسلماً، إذا أقر به، ويُجْبر على قَبُول سائر الأحكام، فإن امتنع، قتل كالمرتد، وإذا أقر اليهوديُّ برسالة عيسى -عليه السلام- ففي قولٍ: يُجْبر على الإسلام؛ لأن المسلم، لو جَحَد نبوته لكفر، نقل هذا


(١) في ز: حكمها.
(٢) في أ: سيأتي في.

<<  <  ج: ص:  >  >>