للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإقرار] (١) بنبوة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- إقرارٌ بنبوة مَنْ قبله؛ لأنه شَهِدَ لهم وصدَّقهم، ويجيء على القْولِ الذي حكاه صاحب "التهذيب" فيما إذا أقر اليهوديُّ بنبوة عيسى -عليه السلام- أنه يُجْبر على الإقرار بنبوة سائر الأنبياء -عليهم السلام- ويتوجَّه أن يقال كما أن محمّداً -صلى الله عليه وسلم- شَهِدَ للأنبياء قبله وصدَّقهم، فإنهم شهدوا له، وبشروا به؛ وأن المعطِّل، إذا قال: محمَّد رسول الله، فقد قيل: يكون مؤمناً؛ لأنه أثبت الرسُولَ والمُرْسِل معاً، وأنه إذا قال الكافر: لا إله إلا [الله] الذي آمن (٢) به المسلمون، كان مؤمناً، ولو قال: آمنتُ بالذي لا إله غيره [أو بمَنْ لا إله غيره] لم يكن مؤمناً؛ لأنه قد يريد الوَثَن وأنَّه، لو قال: آمنت بالله وبمحمد، كان مؤمناً بالله؛ لإثباته الإله، ولم يكن مؤمناً بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- حتَّى يقول: بمحمد النبي أو بمحمد رسول الله [-صلى الله عليه وسلم-]، وأن قوله: "آمنتُ بمحمَّد النبيِّ" إيمانٌ برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وقوله: "آمَنت بمحمدٍ الرسولِ" ليس كذلك؛ لأن النبيّ لا يكون إلا لله، والرسول قد يكون لغيره وأن الفلسفيَّ إذا قال: أشهد أن الباريَ تعالَى علَّةُ الموجودات، مبدؤها أو سبَبُها، لم يكن ذلك إيماناً، حتى يقر بأنه مخْتَرعٌ ما سواه ومُحْدِثه بعْد أن لم يكن، وأن الكافر إذا قال: لا إله إلا [الله] المُحْيي المميت، فإن لم يكن من الطبائعيين كان مؤمناً، وإن كان منْهم، فلا؛ لأنهم ينسبون الحياة والموت إلى الطبيعة، فينبغي أن يقول: لا إله إلا الله، أو إلا الباري أو يَذْكُر اسماً آخر لا تبقى معه الشبهةِ، وأنه لو قال: لا إله إلا الله المالك أو إلا [الرازق]، لم يكن مؤمناً؛ لأنه قد يريد به المَلِك الذي يقيم عطايا الجُنْد، ويرتب أرزاقهم كما كان يَذْكر قومُ فرعونَ له، وكانَ مَلِكهُم، ولو قال: لا مالك إلا الله أو لا رازقُ إلا الله، كان مؤمناً وبمثله أجابَ، فيما إذا قال: لا إله إلا الله العزيز [أو] العظيم أو الحكيم أو الكريم، وبالعكوس، وأنه لو قال: لا إله إلا الله المَلِكُ الذي في السماء، أو إلا مَلِك السماء، كان مؤمناً، قال الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] وأراد نفسه تعالى وتقدَّس، ولو قال: لا إله إلا ساكنُ السماء، لم يكن مؤمناً، وكذا لو قال: إلا الله ساكن السماء؛ لأن السكون غيرُ جائز على الله سبحانه وتعالى، وأنه لو قال: آمنت باللهِ، إن شاء، أو إن كانَ شاء بنا، لم يكن مؤمناً، وأنه لو قال اليهوديُّ: أنا بريْء من اليهودية، أو النصرانيُّ أنا بريء من النصرانية، لم يكن مؤمناً؛ لأنه ليس ضدَّ الإسلام ما تبَّرأ منه، فحسب، حتى يَدْخل بالتبرؤ منه في الإسلام، وكذا لو قال: مِنْ كل ملة تخالف الإسلام؛ لأنه لا ينفي التعطيلَ الذي يخالِفُ الإسلام، وليس بملَّةٍ، فإن قال: كُلِّ ما يخالف الإسلام من دِينٍ ورأْي وهوىً، كان مسلماً، وأنه، إذا قال: الإسلامُ حقٌّ، لم يكن مسلماً، لأنه، قد يقر بالحقِّ ولا ينقاد


(١) في أ: إلا بالإقرار.
(٢) في ز. أمر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>