للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: اقتصر طائفة من الأصحاب على القولَيْن الآخَرَيْن، ولم يثبتوا قوْلَ زوال المِلْك.

والثاني: حكى الرويانيُّ؛ أن منهم مَنْ قطع باستمرار المِلْك، ورد الخلاف إلى أنه هل يصير بالردة محجُوراً عن التصرُّف، على ما سيأتي، والخلافُ في بقاء المِلْك وزواله يَجْري في ابتداء المِلْك، فهذا اصطاد، أو احتطب، فإنْ قلْنا: يزول (١) المِلْك، فقد قال الإِمام: ظاهر القياس أنه يثبت الملْكُ لأهل الفيْء فيما احتطب واصطاد، كما يَحْصُل المِلْك للسيد فيما يَحْتطب العبْدُ، ويصطاد، قال: وليكن شراؤه واتِّهابُه كشراء العبد واتهابه بغَيْر إذن السيد، حتى يجيْء فيه الخلافُ، وعلى هذا جَرَى صاحب الكتاب، والذي أورده أبو سعْد المتولِّي، أنه يبقى على الإباحة، كما إذا اصطاد المُحْرِم، لا يمكله ويبقى الصيد على الإباحة، وإن قلْنا: إن أملْك المرتد يَبْقَى، فيما احتطب أو اصْطاد مِلْكُه كالحربىِّ، وإن قلْنا: إنه موقوفٌ، فإن عاد إلى الإسلامِ، بان أنه ملْكُه من يوم الأخذ، وإن هلك على الردَّة، قال المتولِّي: نحكم بان المأخوذَ باقٍ على الإباحة، وعلى قياسِ ما ذَكَره الإمامُ، يبين أنه لأهل الفيْء، وعلى الأقوال كلِّها تقضى من ماله ديونَه التي لَزمت قبل الردَّة؛ لأنا، وإن حكمنا بزوال المِلْك، فإنه يَعْرِض أن يعود، وغايةُ ما في الباب تنزيلُ الردَّةُ منزلةَ المَوْت، والديونُ اللازمة في الحياة تُقْضَى من تركة الميت، فكذلك هاهنا، وقد تكون نفقة الزوجة من الدُّيون اللازمة قَبْل الردَّة، ولا تكون نفقة القريب منها (٢)، لسقوطها بمضيِّ الزمان، وعن الاصطخريِّ، عن حكاية صاحب "التقريب" وجه، أنه ديونه لا تقضَى على قول زوال المِلْك، ويُجْعَل كأن أمواله تَلِفَت، والمذْهَبُ الأول، وأمَّا في مدَّة الرِّدَّةِ، فينفبن عليه من ماله، ويُجعل حاجته إلى النفقة كحاجة الميت إلى التجهيز بعْد زوال الملك بالموت، وأغرب القاضي ابن كج؛ فحَكَى عن أبي حفْص بن الوَكيل: أنه لا ينفق عليْه على قولِ زوال الملك، ولكن يُنْفق عليه في مدة الاستتابة من بيت المال، وهلْ يلزمه غرامةُ ما يُتْلِفه في الرِّدَّةِ، ونفقة زوجاته الموقُوفِ نكاحُهن، ونفقة أقاربه؟ فيهِ وجهان؛ على قول زوال الملك:

أحدهما: لا؛ لأنه لا مالَ له، ويُرْوَى هذا عن أبي الطيِّب بن سلمة، والاصطخرِّي، واختاره صاحب "التتمة".

وأظهرهما؛ عند الأكثرين: نعم، كما أن من حفر بئر عدوان، ومات، وحصَلَ بسببها تَلَفٌ، يُؤْخذ الضمان من تركته، وإن زال ملْكه بالمَوْت.

وتمام التفْريع على الأقوال: أنا إذا قلْنا بزوال المِلْك، فإذا عاد إلى الإسلام، يعود


(١) في ز: زوال.
(٢) في ز: ههنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>