للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الزاني يُغرَّب إلى مسافة القصْر: لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن، وفيما دون مسافة القصْر تتواصل الأخبار ولا تتمُّ الوحشة، وعن ابن أبي هريرة وجْه أنَّه يجوز التغْريب إلى ما دون مسافة القصْر؛ لمُطْلَق قوله -صلى الله عليه وسلم- "وتَغْريبُ عام"، وفي "التتمة" وجه: أنه يكفي (١) التغريب إلى موضع لو خرج المبكر إليه لم يرجع من يومه، والظاهرُ الأوَّل، وإنْ رَأَى الإمامُ تغريبَهُ إلى ما فوق مسافة القصْر، فعل؛ غَرَّبَ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلى الشام، وعثمانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إلى مصرَ، هذا هو المشهور والذي أورده المتولِّي؛ أنه إذا وجد على مسافة القصْر موضعٌ صالحٌ، لم يجز التغريب إلى البلد البعيد، والبدويُّ يُغرَّب عن حِلته وقومه، ولا يُمكَّن من الإقامة فيما بينهم، وحكى إمام الحرمَيْن وجهَيْن في أنه لو عيَّن الإِمام جهة للتغريب، فطلب الزاني أن يُغرَّب إلى جهة أخرى، هل يجاب أو لا [يعدل] عن تعيين الإِمام؟ ورأي الأظهر، إجابته، وقال: المقصود إيحاشه بالإبعاد عن الموضع بقدر مرحلَتَيْن، فإذا حصل هذا الغرَضُ، فليأخذ في أي صوْب شاء، وهذا ما أورده في الكتاب والمذكور في غيره أنه لا عُدول عما عينه الإِمام، وهذا هو اللائق بالزجْر والتعْنيف، ويوافقه ما ذكر صاحب "التهذيب" أن الإِمام لا يرسله إرسالاً، بل يُغرِّبه إلى بلَد معيَّن، وإنما غرَّب إلى موضع معين، فهل يمنع من الانتقال إلى [بلد] (٢) آخر؟ الذي أورده المتولِّي، واختاره الإِمام: أنه لا يُمْنَع، ومنهم من قال: يمنع.

وفي "التهذيب": أنه لا يُمكَّن المغرَّب من أن يحمل معه أهلَهُ وعشيرته؛ لأنه لا يستوحش حينئذ، وله أن يحمل جاريةً يتسرى بها، وما يحتاج إليه للنفقة، وقال وفي "التتمة": لو خرج عشيرتُه معه، لم يُمْنَعوا، والغريب إذا زنا يُغْرَّب من بلد الزنا تنكيلاً وتبعيداً عن الموْضع الذي ارتكب فيه الفاحشة، فربما أَلِفَه، ولا يُغرَّب إلى بلده، ولا إلى موضع بينه وبين بلده، أقلُّ من مسافة القصْر، وإذا غُرِّب إلى غير بلده، فرجع إلى بلده، ففي الكتاب: أنه لا يُتعرَّض له، وحكَى غيره أنه يمنع منه، وهو الأشبه، ثم هذا في [الغريب] (٣) الذي له وَطَنٌ، فإن لم يكن كما إذا هاجر الحربيُّ إلى دار الإِسلام، ولم يتوطَّن بعد بلدة، قال في "التتمة": يتوقف الإِمام إلى أن يتوطَّن في بلده، ثم يُغرِّبه، والمسافر إذا زنا في الطريق يُغَرَّب إلى غير مقصده، وإذا رجع المغرَّب إلى البلد الذي غُرِّب منه، رُدَّ إلى الموْضِع الذي غُرِّبَ إليه، وهل يُحْسَب ما مضى، أم تستأنف المدة الأشبه، وهو المذكور في الكتاب: أنها تستأنف ليتوالَى الإيحاش، وفي "التتمة": أنه يحسب ما مَضَى، والخلاف راجعٌ إلى أنه هل يجوز تفريقُ سنة التغْريب، وخرَّج


(١) في ز: يجوز.
(٢) سقط في ز.
(٣) في أ: المغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>