للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها" (١) ولأن الزانية إذا غرِّبت وحْدها، لم يُؤْمَن عليها من التهتك، هكذا أطلق مُطلِقون الوجهَيْن، وخصَّصهما الإِمام، وصاحب الكتاب بما إذا كان الطريقِ آمناً، وأشار إلى القطْع بالمنْع، إذا لم يكن الطريق آمناً، وفيه قول بشرعية التغريب منْ غير أمْن الطريقِ، وفي "البيان" وغيره ما يُشْعِر بخلافه، ويقوم مقام المَحْرَم الزوْجُ وفي النِّسْوة الثقات عند أمن الطريقِ وجهان:

أظهرهما: قيامُهن مقام المَحْرَم، وربما اكْتُفِيَ بالواحدة، إذا كانت ثقة وشَرَط شارِطُون أن يكون معها مَحْرَم أو زَوْجٌ، وإذا قلْنا بالأصح، فلو تطوَّع الزوْج أو المَحْرَم بالخروج، أو وجدنا نسوة ثقاتٍ يُسَافِرْنَ، فذاك، وإن لم يخرج المَحْرَم أو الزوْجُ، إلا بأجرة أعْطِيَ الأجرة، وتكون في بيت المال أو في مالِها؟ فيه وجهان مشبهان بالخلاف في أجرة الجَلاَّد، ورجَّح القاضي ابن كج، وصاحب "التهذيب" كونَها في بيت المال، وقياس ما سَبَق في أجرة الجَلاَّد أن يرجَّح كونها في مال الزانية، وإليه ذهب ابن الصبَّاغ والرويانيُّ، كان لم يرغب المَحْرَم في الخُرُوج بالأجرة أيضاً، فهل يجبره السلطان على الخروج؟ فيه وجهان:

أحدهما، ويُحْكَى عن ابن سُرَيْج: نعم، للحاجة إليه في إقامة الواجب، وعلى هذا، فلو اجتمع (٢) محرمان أو محرم وزوْجٌ، فمن، يقدَّم منهما، لم يتعرَّضوا له.

وأظهرهما: أنه لا يجبر كما في الحج؛ ولأنه تعذيب مَنْ لم يذنب، وعلَى هذا، فقياس مما ذكرنا أنَّها لا تُغرَّب إلا مع محرم أن يؤَخَّر [التغريب] (٣) إلى أن يتيسر، وكما ذكر الرويانيُّ أنها تغرَّب، ويَحْتَاط الإِمام في ذلك، وقوله في الكتاب "إنها تُغرَّب" يعني المرأة وأعلم بالميم؛ لما سبق أن عنده لا تغرَّب المرأة، ويجوز أن يُعْلَم قوله "مع محرم" بالواو؛ لاطلاق مَن أطلق وجهين في أنها هل [تغرب] (٤) وحدها؟

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّانِيَةُ) لاَ ينْقُصُ فِي مَسَافَةِ الغُرْبَةِ عَنْ مَرْحَلَتَيْن، وَإِلَيْهِ الخِيَرَةُ في جِهَاتِ السَّفَرِ، وَالغَرِيبُ يَخْرُجُ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإنْ رَجع إِلَى البَلَدِ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ (الثَّالِثَةُ): لَوْ عَادَ المُغَرَّبُ أَخْرَجْنَاهُ ثَانِياً وَلَمْ تُحْسَبْ المُدَّةُ المَاضِيَةُ.


(١) رواه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ: لا تسافر المرأة يومين من الدهر، إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها، وفي رواية له: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها، أو أخوها. أو ابنها، أو زوجها أو ذو محرم منها، وهو من المتفق عليه بألفاظ أخرى من حديث أبي سعيد وابن عمر أيضاً وأبي هريرة.
(٢) في ز: أجمع.
(٣) في أ: التعزير.
(٤) في أ: تعزر.

<<  <  ج: ص:  >  >>