للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما بصفات الكمال عند الوطء، وهي الحرية، والعقل، والبلوغ، دون الآخر، لكن اللفظ بعيدٌ عن إفهام الغَرَض، والوجْهُ القريب في تنزيله أن يحمل الإحْصَان على الحُرِّية، كما في قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}. وقد بَيَّنا أن الحريَّة أحد معاني الإحصان (١)، فيصير كأنه قال، ولا يُشْترط الحرية في الواطئَيْن، بل إن كان حرّاً عند الوطء.

أحدهما: رُجِم، إذا زنا وجلد الآخر، إنْ زنا.

وقوله "وإن كان أحدهما صغيرًا" أي عند الوطء رجم البالغ، إذا زنا، وقوله "على الأظهر" أي من الطريقَيْن، وهو الذي رأى الإِمام القطع به، إذا كان الصغيرُ في محلِّ الشهوة، فإن لم يكن، فينقدح الخلافُ، وجميع ذلك على التنزيلِ الذي بيَّنَّاه يوافق ما ذكره الإِمام، وإن حمل قوله "ولا يشترط الإحصان في الواطِئَيْنِ" على الواطئَيْنِ في زناً حتى كون المعنى أنه لو زَنَى، ويُقدِّر أن المقصود أنه لو كان أحدُ الزانِيَيْن محصناً دون الآخر، رُجِم المحصَنُ، وجُلِدَ الآخر، فهذا عين قوله من بعْدُ "والثيب إذا زَنَى ببكْرٍ رُجِمَ وجُلِدَتْ" بل أعم منه، فيغني عنه، وقوله "وانتفاء الإحْصَانِ يُسْقِط الرجْم" لا حاجة بعد ما قدَّم ذكره في الضابط [إليه]، وقوله " [وشطر] (٢) مدة التغريب" يجوز أن يعلم بالميم والألف؛ لأن عندهما تَسْقُط كلُّها، وكذا قوله "وفي قَوْلٍ يُغَرَّبُ العَبْدُ سنةً" يجوز أن يعلم لفْظ "القول" فيه بالواو: لقطع أبي إسحاق.

قال الغَزَالِيُّ: ثُمَّ في أَصْلِ التَّغْرِيب مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) أَنَّهَا تُغَرَّبُ مَعَ مَحْرَمٍ وَلَهُ الأُجْرَةُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ، وَعَلَى وَجْهٍ عَلَى بَيْتِ المَالِ، فَإنْ امْتَنَعَ فَهَلْ يجْبرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الخُرُوجِ مَعَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِناً فَهَلْ يَجُوزُ تَغْرِيبُها بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنما قال في أصل التغريب؛ لأنه وصل الكلام بتغريب العبْد، فأشار إلى أن المسائل في مُطْلَق التغريب، لا في تغريب العبْد خاصَّة.

المسألة الأولى: هل تغرَّب المرأة وحْدها؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنه سفَرٌ واجب فأشبه الهجْرة، فإنها، إذا كانت تخاف الفتنة [في] دينها، كان عليها أن تسافِرَ وَحْدها.

وأصحُّهما: لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم-، قال: "لاَ تُسَافِرُ المَرْأَةُ إلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ محرم


(١) في ز: أنها أحد معانيه.
(٢) في ز: وينتظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>