للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان قد نشأ بين المسلمين، وقال: لم أعلم التحريم، لم يُقْبَل قوله، [فإنه] خلافُ الظاهرِ، ولو علم التحريم، ولم يعلم تعلُّق الحد به، فقد جَعَلَه الإِمام على التردُّد الذي ذكره فيما إذا وطئ امرأةً على ظَنِّ أنها [الجارية] المشتركة بينه وبين غيرِهِ، فكانت غَيْرَهَا [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: هَذَا هُوَ مُوجِبُ الحَدِّ وَلْيَظْهَرْ لِلْقَاضِي بِجَمِيعِ قُيُودِهِ إمَّا بالإِقْرَارِ (ح) أَو الشَّهَادَةِ، وَيَكْفِي الإِقْرَارُ (ح) مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنْ رَجَعَ سَقَط الحَدَّ، وَهَلْ يَنْزِلُ التِمَاسُهُ تَرْكَ الحَدِّ أَوْ هَرَبُهُ أَوْ امْتِنَاعُهُ مِنَ التَّمْكِينِ مَنْزِلَةَ الرُّجُوعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإنْ ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَسْقُطْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِى سُقُوطِهِ بالتَّوْبَه قَوْلاَنِ يَجْرِيَانِ فِي كُلِّ حَدٍّ للهِ تَعَالَى.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قد بان موجب الحد ومن يجب عليه، ولا بد من ثبوته عند القاضي؛ إما بالبينة أو بالإقرار [ليتمكن من إقامة الحد؛ أما البينة] (١)؛ فقد قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] وأما الإقرار، فعن أبي هريرة (٢) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: جاء مَاعزُ بن مالكٍ إلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّه الأَيْمَنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ، فَأعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الأَيْسَرَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: إِني قَدْ زَنَيْتُ، قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرِّاتٍ، فَقَال أَبِكَ جُنُونٌ؟! قَالَ: لاَ، يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: أُحْصِنْتَ، فَقَال: نَعَمْ، قَالَ: انْطَلِقُوا به، فَارْجُمُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِهِ، فَلَمَّا مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ أَدْبَرَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ لَحْيُ حَمَلٍ، فَضَرَبَهُ، فَصَرَعَهُ، فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هَرَبَهُ حِينَ مَسَّتْهُ الحِجَارَةُ، فَقَالَ: هَلاَّ تَرَكْتُمُوهُ قَالَ الأصحاب: لم يكن ترديدُ النبىِّ -صلى الله عليه وسلم- ماعزًا لِيُقِرَّ أربَعَ مرات، ولكنه ارتابَ في أمرِهِ، فاستثبته؛ ليعرف أبه جُنونٌ أو شَرِبَ خَمْرًا أم لا؟ وإلا، فيكْفِي الإقرار


= وإن لم يكن علم فعلموه، فإن عاد فحدوه، وهكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة، وأخرجه أيضاً عن معمر عن عمرو بن دينار وزاد: إن الذي كتب إلى عمر بذلك، هو أبو عبيدة بن الجراح، وفي رواية له: أن عثمان هو الذي أشار بذلك على عمر رضي الله عنهما، وروى البيهقي من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قصة لعمر وعثمان في جارية زنت وهي أعجمية، وأدعت أنها لم تعلم تحريمه.
(١) سقط في ز.
(٢) رواه الترمذي بتمامه دون قوله: فقال أحصنت، وهو في الصحيحين بغير تسمية، وفي رواية رجل من أسلم وفيها قوله: قال: هل أحصنت، إلا أنه ليس عندهما قوله: فانطلقوا، فلما مسته الحجارة أدبر يشتد إلى آخره، نعم هذا اتفقا عليه من حديث جابر، وروى أحمد هذا الحديث بتمامه من حديث جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>