للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك المحدود والمقْطُوع في حدِّ وغيرِه، لا يقام عليه حدٌّ آخر حتى يبرأ.

وعن رواية أبي الحُسَيْن بْن القَطاَّن وجه: أنه لا يؤخَّر، ويُضْرَب في المرض بحَسَب ما يحتمله من الضَّرْب بالعُثْكَالِ وغيره؛ على ما سنبين، كما أن الصَّلاة إذا وجبتْ، يؤديها المريض قاعداً، فلا ينتظر التمكُّن من القيام، ولو ضُرِبَ كما يحتمله ثم برأ، فهل يُقَام عليه حدُّ الأصحاء؟ حكى القاضي ابن كج فيه وجهَيْن، وليكونا مبنيين على أنه يُؤخَّر إقامة الجلد أو يستوفَى بحسب الإمكان؟ إن قلنا بالأول، فالذي جرى، ليس بحدٍّ؛ فلا يسقط، كما لو جُلدِ الزانِي المحْصَنُ، لا يسْقُطُ عنه الرجْم، وإنْ قلنا بالثاني، فلا يُعاد الحدُّ، وإن كان المرضُ مما لا يرجَى زواله؛ كالسُّلِّ، والزَّمَانَة أو كان مُخْدَجاً ضعيفَ الخلقة (١)، لا يَحْتَمِل السياطَ، فلا يؤخَّر الحدُّ؛ إذْ لا غاية تُنْتَظر، ولا يُضْرب بالسياط؛ لئلا يَهْلِك، ولكن يُضْرب بعُثْكالِ عليه مائةُ شمراخٍ، وهو الغصن ذو الفُرُوع الخفيفة. وعند أبي حنيفة ومالك [أنَّه] (٢) يضرب بالسياط، ثم [عن] أبي حنيفة: أنه يجمع مائةُ سوط، ويضرب بها دفعةً واحدةً، وعن مالك: أنه يُضْرب بالسياط [مفرَّقَة] على الأيَّام.

لنا ما رُوِيَ (٣) عن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيْف: "أن رجلاً مُقْعدًا زَنَى بامرأةٍ، فأمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُجْلَدَ بإثكالِ النَّخْلِ" والإثكالُ والعُثْكَال واحد ويُرْوَى (٤) أنه أمر أن يأخُذوا مائةَ شمراخٍ، فيضربوه بها ضربةً واحدةً.

ولا يتعيَّن الضرب بعُثْكال النخْل، بل يقوم [مقامه] الضَّرْب بالنعال (٥) أطراف


(١) في أ: الجبلة.
(٢) سقط في ز.
(٣) قال الحافظ في التلخيص: يروى أنه أمر أن يأخذوا مائة شمراخ، فيضربوه بها ضربة واحدة، الشَّافعي عن سفيان عن يحيى بن سعيد وأبي الزناد كلاهما عن أبي أمامة، ورواه البيهقي وقال: هذا هو المحفوظ عن أبي أمامة مرسلاً، ورواه أحمد وابن ماجة من حديث أبي الزناد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف، فلم يرع إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: اجلدوه مائة سوط، فقال: يا نبيَّ الله هو أضعف من ذاك، لو ضربناه مائة سوط لمات. قال: فخذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه واحدة، وخلوا سبيله، ورواه الدارقطني من حديث فليح عن أبي حازم عن سهل بن سعد، وقال: وهم فيه فليح، والصواب عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل، ورواه أبو داود من حديث الزهري عن أبي أمامة عن الرجل من الأنصار، ورواه النسائي من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري، فإن كانت الطرق كلها محفوظة، فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة، وأرسله مرة.
(٤) في ز: وروي.
(٥) في أ: لعثكال.

<<  <  ج: ص:  >  >>