للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخفيفة، بل يحيط الناس به، فيرمونه من الجوانب بحجارةٍ معتدلةٍ ومَدَرٍ ونحوها إلى أن يموت، رُوِيَ عن أبي سعيد الخدريِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في قصة ماعز قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِرَجْمِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ، فَمَا أَوْثَقْنَاهُ، وَلاَ حَفَرْنَا لَهُ، وَرَمَيْنَاهُ بالْعِظَامِ، وَالمَدَر، والخَزَف ثُمِّ اشْتَدَّ وَاشْتَدَدْنَا حَتَّى أَتَى الحَرَّةَ، فَانْتَصَبَ لَنَا فَرَمَيْنَاهُ بِجَلاَمِيد الحَرة حَتَّى سكن (١).

ومِنْهَا: لا يحفر للرجُل عند الرجْم، سواء ثبت زناه بالبينة أو بالإقرار، وأما المرأة، ففيها وجوه:

أحدها: أنه يستحبُّ أن يحْفرَ لها إلى صَدْرها ليكونَ أسْتَرَ لها، وهذا ما أطلقه الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ، والحسين الفراء.

والثاني: أن الأمر فيه إلى خَيْرةُ الإِمام، إن شاء، حفر، وإلا، لم يَحْفِرْ، ولا استحباب فيه؛ لما روي أنه حفر للغامدية، ولم يَحْفر للجُهَنِيَّة، وحُكِيَ هذا عن القاضي أبي الطيب.

وأشبهها، وهو المنسوب إلى الشيخ أبي حامد، والذي أورده الرويانيُّ في "جمع الجوامع" الفرق بين أن يثبت زناها بالبينة، فيستحبُّ أن يُحْفَر لها، لئلا تنْكَشف، وبيْن أن يثبت بالإقرار، فلا يُستحبُّ ليمكنها من الهَرَب، إن رجعتْ، وفي إقامة الجَلْد صورٌ أخرى يؤخرها إلى جناية "شرب الخمر"؛ لأن صاحب الكتاب ذَكَر بَعْضَها هناك.

قال الغَزَالِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَرِيضاً رُجِمَ، وَإِنْ كَانَ الوَاجِبُ الجَلْدَ أُخِّر إلَى البُرْءِ، وَإِنْ كَانَ مُجْدَجاً لاَ يَحْتَمِلُ السِّيَاطَ فَيُضْرَبُ بُعُثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، فَإنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ مَرَّتَيْنِ ضَرْباً مُؤْلِماً بحَيْثُ يَتَثَاقَلُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الشَّمَارِيخِ، وَلاَ نُفَرقُ السِّياطُ عَلَى الأيَّامِ، وَإِنْ احْتَمَلَ سِيَاطاً خِفَافاً فَالقِيَاسُ أنَّهُ أَوْلَى مِنَ الشَّمَارِيخِ، فَإِنْ ضُرِبَ الشَّمَارِيخِ فَزَالَ مَرَضُهُ عَلَى النُّدُورِ فَلاَ يُعَادُ الحَدُّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الظاهر المشهورُ أن الرجْم لا يؤخَّر للمَرض؛ لأن نفْسه مستوفاةٌ، فلا فرق بين المريض والصحيح، وفيه وجه مذكورٌ في كتاب القاضي ابن كج "والتَهْذيب" وغيرهما: أنه إن ثبت بالإقرار فيِؤخَّر إلى أن يبرأ؛ لأنه بسبيل من الرجُوع، وربَّما يَرْجع بعْد ما رمى إلَيْه، فيُعَيَّن ما وُجِدَ من الرمي على قَتْله، وهذا الخلاف يعُود مثلُه في أَنَّه هل يُرْجَمُ في شدَّة الحر والبرد، وإن كان الواجب [الجلد] (٢)، فإن كان المرضُ مما يُرجَى زواله، فيؤخَّر إلى أن يبرأ؛ كيلا يَهْلِكَ بتعاون الجَلْد والمرض،


(١) رواه مسلم في حديث أبي سعيد.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>