المسألة الثالثة: العقوبة التي يقيمها السيِّد على عبْده يقيمُها إذا أقرَّ عبده بموجبها، ولو شاهَدَه السَّيِّدُ منه، فهل يقيم الحدَّ عليه؟ فيه وجهان بناء على القاضي هلْ يَقْضِي بعلمه في الحدود؟ والأظهر، نعم، وهو الذي ذكَره في الكتاب، وإن كانتْ عليه بينة، فهل يسْمَعُها السيد؟ فيه وجهان.
أصحُّهما: نعم؛ لأنه يمْلِكُ إقامةَ الحدِّ، فيملِك سماع البينة كالإمام، وعلى هذا، فيُنْظر في تزكية الشهود، أيضاً، ولا بد وأن يكون عالماً بصفات الشهود وأحكام الحدود.
والثاني: لا تُسْمع البينة، فإنه من مناصب القضاة، فلا يزاحمهم فيه بخلاف الضرب في الحدِّ، فهو تأديبٌ، فعلى هذا إذا سمع الحاكمُ البينة، وأثبت الحدَّ، كان للسّيِّد إقامته، وبنى بعضُهم الخلافَ في سماع البيِّنة على أن الحدَّ استصلاحٌ أو ولايةٌ؟ إنْ قلنا: استصلاح، لم يكن له سماعها، وإن قلنا: ولاية، فوجهان، ويجوز أن يُعْلَم لما بيَّنَّا قوله في الكتاب "والسيد في حق الرقيق" مع الحاء بالواو، ولا يبعد أن يضاف إليهما بالميم، وقوله "دون المكاتَبِ" بالواو، وكذا قوله "وللسيد أيضاً التعزير".
فروع عن "التهذيب": لو قذف المملوكُ زوجَتَه المملوكة، هل يُلاَعِنُ السيد بينهما، كما يقيم الحد؟ فيه وجهان، ولو قذَف العبْد سيِّده، فله إقامة الحدِّ عليه، ولو قذف السيد عبده فَلَه رفْع الأمر إلى القاضي؛ ليعزِّره، وإذا زنَى ذميٌّ، ثم نقض العهْد، فاسترقَّ، لم يسقط عنه الحدُّ، ويقيمه الإِمام لا السيد؛ لأنَّه لم يكن مملوكاً يومئذ، ولو زَنَى عبْدٌ فباعه سيده، فإقامة الحدِّ إلى المشتري اعتباراً بحال الاسْتيفاءِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: من قُتِل حدّاً بالرجم وغيره غُسِّل، [وكُفِّن](١) وَصُلِّيَ عليه، ودُفِنَ في مقابر المسلمين، وكذلك تارِكُ الصلاة، إذا قُتِل على ما بين في موضِعه، وفي "البيان" أن مالكاً قال لا يُصلَّى على المرجوم. لنا: أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالغامِديَّة، فَرُجِمَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ، وَأَمَرَهُمْ أن يُصَلُّوا عَلَى الجُهَنِيَّة، وَيَجُوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب "أو لترك صلاة" بالألف، وقوله "غُسِّل، وكُفِّن وصُلِّيَ عليه" بالواو.
وقوله "وصُلِّي عليه" بالحاء أيضاً؛ لما ذكرنا في قاطع الطريق في الجنائز، وفي