للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوجوب الحدِّ على القاذف أن يكون: مُكلَّفاً، فلا حد على [صبيٍّ]، ولا مجنونٍ، ولكن يعزَّر الصبيُّ، وكذا المجنونُ، إن كان له نوْعُ تَمْييزٍ كذلك حكاه صاحب "التهذيب" وأن يكون مختاراً، فلا حدَّ على (١) المكْره على القذْف، ولا فرْق بيْن المُسْلِم والذمِّيِّ والمعاهَدِ، ثم إن كان القاذف حرّاً فحدُّه ثمانون جلدةً بالأمة، وإن كان رقيقاً فأربعون، رُويَ عن عبد الله بن عامر بْن ربيعة، قال: "أَدْرَكْتُ أَبا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الخُلَفَاءِ فلم أَرَهُمْ يَضْرِبُونَ المَمْلُوكَ إِذَا قَذَفَ إلاَّ أَرْبَعِينَ سَوْطاً" (٢) وأشار بذلك إلى أنه مُجْمَعٌ عليه، والمكاتَبُ والمدبَّر والمستولَدَةُ، وَمَنْ بعضُه رقيقٌ كالرقيق في الحدِّ، ويُشْترط لوجوب الحدِّ أن يكون المقذوفُ محصَناً، والكلامُ فيما يحْصُل به إحصانُ المقذوف، قد بيَّنَاه في "اللعان" ولا يجبُ على الأب والجدِّ الحدُّ بقذف الولدِ ووَلدِ الوَلَدِ، وعن ابن المنذر أنَّه يجبُ وهو مذهب مالكٍ، قال [لكن] يكره له إقامته.

لنا: أنه عقوبةٌ لآدميٍّ، فلا يقيمه الولدُ على الوالِدِ، كالقصاص، وعلى هذا فلو ورث حدَّ القذف على أبيه من أمه، سَقَطَ، ولو قَذَفَ إنساناً بزنية واحدة، أو بزنيتَيْن، فقد سبقَ الحكم في "اللعان"، والظاهر أنَّه لا يجِبُ إلاَّ حدٌّ واحدٌ، وقوله في الكتاب "فإن قذفه مرتين وقد تخلل الحدُّ تعدَّد، وإن لم يتخلَّل ففي التداخُلِ قولان" وقد ذكرنا ذلك [مع صور القذف] (٣) في اللعان، وليس في الكتاب ذكْرُ ذلك مفصلاً هكذا، إلا أنَّه أشار إليه بقوله (٤) "وإن قلْنا بالتداخل" لأن قول الاتحادَ إنَّما يجري عند الاستيفاء، ولو قال لرجل: يا زاني أو لامرأته: يا زانية، فقد مر في اللعان أنه قَذْفٌ وكذا الحكْمُ، لو خاطب الخنثَى المُشْكِل بأحد اللَّفْظينِ، ولو قال له: زَنَى ذَكَرُك أو فرْجُك، قال في "البيان": الذي يقتضيه المذْهَب أن فيه وجهَيْن.

أحدهما: أنه قذفٌ صريحٌ.

والثاني: أنه [يكون] كناية كما لو أضاف الزنا إلى اليَد أو الرِّجْل من المرأة أو الرَّجُل؛ لأن كل واحد منهما يَحْتَمل أن يكون عضواً زائداً، فيصير كسائر أعضاء البدن ولو قال: زَنَى فَرْجُك وَذَكَرُك، فهو قذْفٌ صريح؛ لأن أحدهما أصليٌّ، والكلام في صرائح القذْف وكناياته مذكور في "اللِّعان".


(١) بفتح الراء لرفع الحكم عنه ولأنه لم يقصد الأذى بذلك لاجباره عليه ولا على مكره بسكرها.
(٢) رواه مالك في الموطإ بهذا إلا أنه ليس فيه ذكر أبي بكر، ورواه البيهقي من وجه آخر كما قال المصنف.
(٣) سقط في ز.
(٤) في ز: يقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>