للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغَزَالِيُّ: وَفِيهِ مُشَابَهَةُ حُقُوقِ اللهِ تَعَالى إذْ لا يَسْقُطُ بإبَاحَةِ القَذْفِ وَلاَ يَقَعُ مَوْقِعَهُ إِذَا اسْتَوْفَاهُ المَقْذُوفُ، وَيتَشَطَّرُ بالرِّقِّ، وَلَكِنَّ الغَالِبَ حَقُّ الآدَمِيِّ إِذْ يَسْقُطُ (ح) بِعَفْوهِ وَيُورَثُ (ح) عَنْهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: قال الأصحاب: حدُّ القذْف فيه مشابهة حقوق (١) الله تعالَى لمسائل:

إحداها: إذا قال لغَيْرِه: اقْذِفْنِي، فقَذَفَه، ففي وجوب الحدِّ وجهان، ذكرناهما في اللِّعان، وبيَّنَّا أن أكثرهم، قالوا: لا يجبُ، وهذا ما نقله الإِمام عن "المنهاج" للقاضي أبي الطيِّب، وقال: إنَّه رواه عن شيْخِه أبي حامد ووجْهُ الوجوب هو الذي أورده في الكتاب، وأشار الإِمام إلى ترْجِيحِه، وقد يُوجَّه بأن العار يَلْحَق العشيرة، فالإذْنُ لا يؤثِّر في حقهم (٢).

والثانية: إذا استوفَى المقذوفُ حدَّ القذف، لم يقع الموقع كحد الزنا، إذا أقامه واحدٌ من الرعايا؛ وهَذَا لأن مواقع الجَلدات والإيلام بها تختلف، ولا يُؤْمن التخفيف فيها، بخلاف ما لو قَتَل الزاني، المحْصَنَ واحدٌ من الرعايا يقع قتله حدّاً، وفي حدِّ القذف وجْه أنَّه يقع الموقَع، كما لو استقل مَنْ له القصاصُ بالاقتصاص.

والثالثة: أنه يَنْشَطِر بالرِّقِّ، كما سبق، وما يجب حقّاً الآدميِّ لا يختلف بين أن يجبَ على الحُرِّ أو العبْد. لكن المغلَّب فيه حقُّ الآدميِّ لمسائل منها:

أنه لا يُسْتَوْفَى إلا بمطالبته بالاتفاق.

ومنها: أنه يورَثُ، وخالف أبو حنيفة في المسألَتَيْن، وقد ذكرناهما في "اللعان"، ولم يَرْتَضِ الإمامُ القولَ بأن الغالِب في حدِّ القذف حقُّ الآدميِّ، وقال: إذا قلْنا: إنه يستوفى بطلب المقذُوف، ويسقط بعفوه، [فلم] يغادر من تمحيض حقِّ الآدميِّ شيئاً.

نعم، يجوز أن يقال: إنه مشابه حدودَ الله تعالى [في] بعض الوجوه، والقصاص [أيضاً] كذلك، فإن الغرض الأظْهَرَ منْه الزجْرُ، لكنه يجعل حقاً محْضاً لآدمي، وقد


(١) في ز: حدود.
(٢) يستثنى منه صورتان:
إحداهما: لو قذف العبد سيده فله إقامة الحد عليه كما جزم به المصنف في الباب قبله.
الثانية: إذا بعد عن الإِمام في بادية يابسة ويقدر على استيفاء الحد بنفسه من غير مجاوزة منه جاز. صرح به الماوردي في باب صول الفحل. قال: لأنه لا حق له فصار كالدين الذي يجوز له أن يتوصل إلى أخذه.

<<  <  ج: ص:  >  >>