للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فإن] (١) أوجبنا الحدَّ لم يَأمَنْ كُلُّ واحدٍ أن لا يساعده الآخرون، فيمتنع الشهودُ من الشهادة، وتتعطَّل الحدود، ويقال: إنه أومأ إلى هذا في الجَديد (٢).

وأظهرهما: وهو الذي نصَّ عليه قديماً وجديداً، وبه قال أبو حنيفة ومالك: أنهم يُحَدُّون؛ لما رُوِيَ أنه شَهِدَ عنْد عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- على المُغِيرة بن شعبة بالزنا أبو بكرة ونافعٌ ونُفَيْعٌ، ولم يصرِّح به زيادٌ، وكان رابعهم، فَجَلَدَ عُمَرَ الثلاثةَ، وكان ذلك بمَحْضَرٍ من الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ولَمْ يُنْكِر عليه أحدٌ، ولأنا إذ لم نَحِد الشهودَ، إذا لم نكمل العدد، لم نأمن أن يتخذ صورة الشهادةَ ذريعةً إلى الوقيعة في أعراض الناس، ولو شهد على زنا المرأة زوْجُها مع ثلاثة فالزَّوْج قاذف؛ لأن شهادته عَلَيْها غير مقبولة، وفي الثلاثة القولان، ولو شهد أربع نسوة أو أربعة مِنْ أهل الذمة أو العَبِيد أو أربعة فيهم (٣) امرأةٌ أو ذميٌّ أو عبْدٌ، فطريقان:

أحدهما: أن في وجوب حد القذف عليهم قولَيْن أيضاً، وينزل نقصان الصفة منزلة نُقْصَان العَدد، وهذا ما أورده ابن الصبَّاغ.

وأصحُّهما: أنهم قَذَفَةٌ يُحَدُّون بلا خلاف؛ لأنهم ليْسُوا من أهل الشهادة في الزِّنا، فلم يقْصِدوا [إلاَّ] (٤) إلحاق العار به، وصوَّر الإِمام المسألةَ فيما إذا كانوا في ظاهر الحَال بصفة الشُّهود، ثم بانوا عبيداً أو كفَّاراً، والمَعْنَى فيه أنه إذا عَرَف القاضي حالَهم، لا يُصْغِي إليهم، ولا يَلْتَفِت إلى كلامهم، ويَخْرُج رميُهم عن أن يكون في معْرِض الشهادة، ولو شهد أربعَةٌ من الفَسَقَة أو أربعةٌ فيهم فاسقٌ نُظِر إن كان سبب فِسْقهم مقطوعاً به؛ كالزنا وشرْبِ الخمْر، فقد أطلق مُطْلِقون فيه طريقين:

أحدهما: أن في وجوب الحدِّ عليهم قولَيْن، كما ذكرنا في نقصان العَدَد، وقد يُبْنَى الخلاف على أن القَاضي، إذا قضَى بشهادة شاهدَيْن، ثم تبين له فسْقُهما، هل ينقض الحكم؟ وفيه قولان، إن قلْنا: نعم، فالفسقة كالعبيد، وإلا، فلا.


(١) في ز: ولو.
(٢) رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي وأبو نعيم في المعرفة وأبو موسى في الذيل من طرق وعلق البخاري طرفاً منه، وجميع الروايات متفقة على أنهم أبو بكرة ونافغ وشبل بن معبد، وقول المصنف: نفيع بدل شبل، وهم، فنفيع اسم أبي بكرة لم يختلف في ذلك أصحاب الحديث وأفاد الواقدي أن ذلك كان سنة سبع عشرة، وكان المغيرة أميراً يومئذ على البصرة، فعزله عمر وولى أبا موسى، وأفاد البلاذري: أن المرأة التي رمى بها: أم جميع بنت محجن بن الأفقم الهلالية، وقيل إن المغيرة كان تزوج بها سراً، وكان عمر لا يجيز نكاح السر، ويوجب الحد على فاعله، فلهذا سكت المغيرة، وهذا لم أره منقولاً بإسناده، وإن صح كان عذراً حسناً لهذا الصحابي.
(٣) في ز: منهم.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>