للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطريق الثاني: القَطْع بأنهم لا يُحَدُّون، وبه قال أبو حنيفة، وهو الصحيح عند القاضي أبي حامد؛ لأن نقصان العَدَد مستيقَنٌ، وكونُهم فسقَةً إنَّما يُعْرَف بالظن والاجتهاد، والحُدُودُ تُدْرأ بالشُّبهات، وزاد آخرون، ومنهم الإِمام وصاحب الكتاب ترتيباً فقالوا: إن كانوا مُعْلِنِين بالفِسْقِ، فقولان لابن سُرَيْج:

أحدهما: أنهم قَذَفَةٌ، كالعبيد.

والثاني: المَنْع؛ لأن من العلماء مَنْ يجعل الفاسق أهلاً للشهادة.

وإن كانوا يكتمون الفِسْق، ويستَخْفُون به من الناس، فالخلاف مرتَّب؛ لأنهم معذورون في الكتمان، قال الإِمام: وظاهر المذهب امتناعُ الحدِّ.

وإن كان سبب الفسْق مجتَهداً فيه، كشرب النبيذ، لم يلزمهم الحدُّ، وإن لم يثبت الزنا بشهادتهم؛ لأنه لا سبيل إلى إقامة الحدِّ لمظنُون مجتهد فيه، مع أنهم جاءوا مجيْء الشهود (١)، وفي معنى الفسْق المجتَهَدِ فيه ما إذا بأن أن في الشهود مَنْ يعادي المشهودَ عليه؛ لأن ردَّ الشهادة بالعداوة مجتَهَدٌ فيه.

ولو حدَدْنَا العبيدَ الذين شهدوا، فعتقُوا وأعادوا الشهادة، قُبِلَتْ شهادتهُم، ولو لم يتم العدَدُ، فحَدَدْنَا مَنْ شهد، ثم عاد مَعَ مَن يتم به العددُ، فشهدوا، لم تُقْبَل شهادتهُم؛ كالفاسق تُردُّ شهادته، فيتوب، ويعيدها، [هكذا] (٢) ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.

ولو شهد أربعةٌ بالصفات المعتبرة، ثم رجعوا، فعليهم حدُّ القذف؛ لأنهم ألحقوا العَار به، سواءٌ كانوا معتمِّدين أو مخطئين؛ لأنهم مفرطون في ترك التثبُّت، وفي "البيان": أن من الأصحاب مَنْ جعل الحَدَّ على القولين؛ لأنهم رمَوْهُ شاهدين، ولو رجَع بعضُهم دون بعْض، فعلى الراجع الحدُّ، وعن القاضي أبي (٣) الطيِّب: أن فيه القولين، وأما مَنْ أصرَّ على الشهادة، فلا حد عليه لأنه لا تَقْصير منه بخلاف ما إذا شَهِدَ بعضهم، ولم يتمَّ العدد، فإنه أمكن، أن يقال: كان ينبغي ألاّ يبادر حتى يعْلَم موافقة الآخرين، وعن الشيخ أبي حامد أن منْهم مَنْ أثبت في المصر القولَيْن، ونسبه القاضي ابن كج إلى الأنماطيِّ، والظاهر الأول، ولا فَرْق بينَ مَنْ رجع بعْد قضاء القاضي بالشهادة أو قَبْلَه، وعند أبي حنيفة: إن رجَع بعضهم بعْد قضاء القاضي، فالحدُّ على الراجع دون المصرِّ، وإن رجع قبله، وجب الحد على الكل، وإن شهد أكثرُ من أربعة، ثم رجعَ بعْضُهم، فإن بقي أربعة، فلا حدَّ على الراجعين، وإلا، [فعلى الراجعين الحد] كما إذا شهد ثمانية، ورجع خمسةٌ، فعلى الراجعين الحَدُّ.


(١) في ز: اليهود.
(٢) سقط في ز.
(٣) سقط فى ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>