للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقبلة، ثم يصلي الرجال والنساء جالسون خلفهن، كذلك ولو وجد المصلي ما يستر به بعض العورة، فعليه أن يستر به القدر الممكن بلا خلاف، لا كمن يجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته، فإن فيه خلافاً قدمناه؛ لأن للماء بدلاً ينتقل إليه، والستر بخلافه، ثم إن كان ما وجده يكفي للسوءتين بدأ بهما، ولو كان لا يكفي إلا إحداهما لم يعدل إلى ستر غيرهما كالفخذ؛ لأن ما سوى السوءتين كالتابع والحريم لهما، فسترهما أهم وأولى، وفيهما ثلاثة أوجه:

أصحها: عند جمهور الأصحاب، وحكوه عن نَصِّ الشافعي -رضي الله عنه- أنه يستر القبل رجلاً: كان أو امرأة؛ لأنه لا حائل دون القبل، ودون الدبر حائل وهو الأليتان.

والثاني: أنه يستر الدبر؛ لأنه أفحش عند الركوع والسجود.

والثالث: أنه يتخير لتعارض هذين المعنيين، حكى هذا الوجه القاضي ابن كج وغيره، وهو أرجح عند المصنف، وأعدل لتقابل الأمرين وانتفاء الترجيح، لكن من صار إلى الوجه الأول ذكر شيء آخر وهو أنه يستقبل بالقبل القبلة، فيكون ستره أهم تعظيماً لها، وهذا كله في واضح الذكورة والأنوثة.

أما الخنثى المشكل إن وجد ما يستر به قبله ودبره قدم سترهما، فإن لم يف الموجود بهما وفرعنا على أنه يقدم القبل فيستر قُبُليه، فإن كان لا يكفي إلاَّ لأحدهما سَتَرَ أيهما شاء، والأولى أن يستر آلة الرجال إن كان ثَمّ امرأة، وآلة النساء إن كان ثم رجل، ثم ما ذكرناه من تقديم السوءتين أو أحدهما على الفخذ وغيره، ومن تقديم إحدى السوءتين على الأخرى على الخلاف الذي فيه كلام في الاستحقاق، أو في الأولوية والاستحباب.

قال إمام الحرمين: لا يمتنع أن يقال: الكلام في الأولوية، وله ستر ما شاء؛ لأن الفخذ وما دون السّرَّة من العورة، ولا فرق عندنا بين السوءة وغيرها في وجوب الستر.

وأبو حنيفة -رحمه الله- هو الذي يفصل ويقسم العورة إلى مُغَلَّظَة ومخففة.

قال: وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه في التحتم نظر إلى عرف الناس، فإن من ستر فخذه وترك السوءة بادية يعد منكشفاً.

واعلم: أن الأول من هذين الاحتمالين هو الذي أورده طائفة منهم القاضي والروياني، وردوا (١) الكلام إلى الأولوية صريحاً.

والثاني: قضية كلام الأكثرين وهو الأولى.


(١) في "ب" وردا.

<<  <  ج: ص:  >  >>