للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: المَنْع؛ لأنه قد يَعْجَز، فيصير كما كان؛ ولأنه عبْدٌ ما بَقيَ علَيْه درْهمٌ، وبهذا قال صاحب "التلخيص" (١) وهو الذي أورده القاضي الرويانيُّ، ولا خلاف أن السيِّد لا يُقْطع بسرقة ما في يد الملوك، وإن قدَّرنا له ملكًا، ولو سرق مِن الذي بعْضُه مملوكٌ له، ما ملَكَه بنِصْفه الحرِّ، فعن القفَّال: أنه لا يُقطَع؛ لأن المال في الحقيقة لجميع بَدنِه، وهو يملك بعْضَه، فيصير شبهةً، وعن الشيخ أبي عليٍّ، أنه يجب؛ لأنه مَلَكَهُ بِنصْفه الحرّ ملكًا تاماً، فهو كما لو قاسَم شريكاً له، ثم سرق مما صار للشريك.

[الثالثة:] (٢) إذا أخذ المالَ على صورة السرقةِ عَلَى ظنِّ أن المأخوذ ملْكُه أو ملْكُ أبيهِ أو ابنهِ أو أنَّ الحرزَ ملْكُه حكى صاحب الكتاب وغيره؛ أنَّه لا قطْع عليه؛ للشبهة، وهو قياس ما إذا وطئ امرأةً على ظنِّ أنها زوجته أو أمَتُهُ، وفي "التهذيب" أنه لو سرق نصاباً من دار، وهو يَظُنُّ أن الدار دارُه، والمالَ ماله، يُقْطَع وألحقه بما إذا سرق دنانيرَ ظنَّها فلوساً لا تبلغ نصاباً، والأقرب الأول.

قال الغَزَالِيُّ: وَلَيْسَ مِنَ الشُّبْهَةِ كَوْنُ الشَّيْءِ مُبَاحَ الأَصْلِ كَاَلحَطَبِ وَلاَ كوْنُهُ رَطْباً كَالفَوَاكهِ وَلاَ كَوْنُهُ مُتَعرِّضاً لِلفَسَادِ كَالمَرَقَةِ وَالجَمْدِ وَالشَّمْعِ المُشْتَعِل، وَمَنْ قُطِعَ فِي عَيْنِ مَرَّةً فَسَرَقَ مَرَّةً أُخْرَى قُطِعَ ثَانِياً، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ المَالِ مِنْ يَدِ المُودَعِ وَالوَكِيلِ وَالمُرْتَهِنِ، وَيُقْطَع بِسَرِقَةِ المَاءِ إِذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَمْلُوكٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لما تكلَّم في الشبهة المؤَثِّرة في دفْع القَطْع أردَفَهَا بما لا يؤَثِّر، وقد يظن تأثيرُه، وفيه صور:

منْها: لا أثر لكَوْن الشَّيْء مباحَ الأصْل؛ كالحطب والحشيش والصُّيود، وما يؤْخَذ من المعادِنِ، وقال أبو حنيفة: لا قَطْع فيما كان مباحاً في الأصل، إلا في خشَب الساج، وألْحَقَ [به ملحِقُون] الأبنوسَ والصَّنْدَلَ والعْودَ، واستثنَى على مذْهبه الخشَب المعمُولَ كالسُّرُرِ والأبواب، ومِن الصيود الدجج، ولم يُسْتَثْنَ الطين والزجاج المعمولَيْنِ، واستَثنَى من المأخوذِ من المعْدِن الجواهِر.

لنا: القياسُ على ما سلَّمه، وأيضاً، فإنه مالٌ محرَّزٌ فيتعلق القطْع بسرقته، وإن كان أصله على الإباحة؛ كالدراهم والدنانير.

ومنها: لا أثر لكَوْن المسروق رَطْباً أو متعرِّضاً للفساد؛ كالرُّطَب والتِّين والتُفَّاح والبُقُول والرياحين والشواء والهريسة والفَالُوذَج، وكالجَمْد والشَّمْع المُشْتَعِل، وبه قال مالك وأحمد.


(١) في ز: الحيض.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>