إحداهما: الخيامُ يَرْبُطها وتنضيد الأمتعة فيها يفيد نَوْعاً الإحراز، وتُغْني عن دوام اللحاظ المعتبر في الأَمتعة الموْضُوعة في الصحراء، لكنَّها ليست كالدُّور في الحصانة، فإنها في نفْسِها قابلة للسرقة، فإذا ضرب في الصحراء خيمةً، وآوى إليها ومتاعاً، فسرق منها سارقٌ، أو سَرَقَها، نُظِر؛ إن لم يَشُدَّ أطنابَها، ولم يرسل أذيالَهَا، فهي وما فيها كالمتاع الموضوعِ في الصحراء، وإنْ شدَّها بالأوتادِ وأرْسَلَ أذْيالها، فإن لم يكن صاحبُها فيها، فلا قَطْع؛ لأنها لا تُعدُّ محرَّزة، إذا لم يكن فيها أحدٌ، وفيه وجه: أن الخيمة في نفسها تكون مُحرَّزة، ولا يكون ما فيها محرَّزاً، وإن كان صاحبُها فيها [مستيقظاً] أو نائماً أو تَامَ بقرْبها، وجب القطْع بسرقتها أو سرقة ما فيها؛ لحصول الإحراز في العادة، وقال أبو حنيفة: يجب القطع على مَنْ سرق منْها، ولا يجب على مَنْ سَرَقَها وحْدها أو مع المتاع.
قال الأئمة: والشرط هناك أن يكونَ هناك [من] يتقوى به، فأما إذا كان في مفازة بعيدة عن الغوْث، وهو مِمَّن لا يبالَى به، فلا إحراز، وكذا لو ضرب الخيمة بين العمارات، يكون الحُكْم كما في المتاع الموضوع بين يَدْيهِ في السوق، وهل يُشْترط إسبال باب الخيمةِ، إذا كان من فيها نائماً؟ حكى القاضي ابن كج فيه وجهين، ورأى الأظهر أنه لا يُشْترط، ولو شَدَّها بالأوتاد، ولم يرسل أذيالها، وكان يمكن الدخولُ فيها منْ كل وجه، فهي محرَّزة، وما فيها ليس بمحرَّزٍ، هكذا ذكروا، وقد يُفْهَم منه أن الأمتعة والأحمالَ، إذا شُدَّ بعضُها ببَعْضٍ، يكون محرَّزة بعْض الإحراز، وإن لم يَكنْ هناك خيمةٌ.
ولو أن السارق نحَّى النائِمَ في الخيمة أولاً عنْها، ثم سَرَق، فلا قطْع؛ لأنها لم تكن حِرْزاً حين سَرَقَ.
وقوله في الكتاب "لكنْ لإحكام الرُّبُطِ وتنضيد الأمتعة" إلى آخره، يمكن أن يُجْعل معناه أن إحكام رُبُط الأمتعة وتنضيد الأمتعة فيها له تأثيرٌ في الاستغناء عن دوام اللِّحَاظ، ويمكن أن يقال: المعنَى أن الأحكام والتنضيد يؤثرانِ في الجُمْلة، فكذلك حال الخيمة المشدُودة، والأمتعة المنضدة فيها [والله أعلم].
المسألة الثانية: المواشي والأبنية المغلَقَة الأبواب محرَّزة، إذا كانت متصلةً بالعمارات، سواءٌ كان صاحبها فيها أو لم يكنْ، وسواء كان مستيقظاً أو نائماً؛ للعادةِ، وان كانت في البرية، [فلا] تكون محرَّزةً إلا إذا كان صاحبُها فيها، إمَّا مستيقظاً أو نائماً، فان كان البابُ مفتوحاً، فيُشْترط أن يكون مستيقظاً، ويكفي أن يكون المراحُ من حطَبٍ أو حشيشٍ، وأما في غير الأبنية، فلها أحوال:
إحداها: إذا كانت الإبلُ ترعى في الصحْرَاء، فهي محرَّزةٌ، إن كان معها حافظ