يراها جميعاً، ويبلغها صوته، إذا زجَرَها، وإن لم يرَ بَعْضَها؛ لكونه في وهْدةٍ أو خلْفَ جَبَلٍ أو حائطٍ، فذلك البعضُ ليس بمحرَّز، ولو نام عنها أو تشاغَل، لم تكن محرَّزةً، وإن لم يبلُغ صوتُه بعْضَها، فكذلك؛ على ما أورده صاحب "المهذب" وغيره، وسكت ساكتُون عن اعتبار بلوغ الصوْت، وكأنهم اكتَفُواْ بالنَّظَر؛ اعتماداً على أنه، إذا قصد ما يراه أمْكَنَهُ أن يعدو إليه فيدفع، والحُكْم في الخيل والبِغال والحمير، وهي ترعى على ما ذكرنا في الإبل، وكذا الغنم إذا كان الراعي على نَشْزٍ من الأرض يراها جميعاً، فهي محرَّزةٌ، وإن كانت متفرقة إذا بَلَغها صوتُه.
الثانية: أن تكون سائرةً، أما الإبلُ، فإن كانت مُقَطَّرة، وكان يسوقها سائقٌ، فهي محفوظة به، إن كان ينتهي النظَرُ إليها، وإن كان يقودُها قائد، يُشْترط أن يلتفت إليها كلَّ ساعة، وإلا، فهو مضيِّع، ويشترط أن ينتهي نظَرهُ إلَيْها، إذا التفت، فإن كان لا يرى البعْضَ لحائل جبل أو بناءٍ، إذا كانت تسير في العمران، [فذلك] البعْضُ ليس بمحرَّز، وفي كتاب القاضي ابن كج وجْه آخر: أنه لا يُعْتبر انتهاء النظَر إلى آخرها، ويَكْفِي النَّظَرُ إحرازاً، وليجيءْ هذا في سوقها أيْضاً، وعند أبي حنيفة: المحرَّز بالقائد البعير الذي يقودُه لا غَيْر.
و [كذا] لو رَكِب الحافظُ الأول منْها، فالحكم كما لو كان يقودُها، ولو ركب غيرُ الأول، فهو لما بين يَدَيْه، كالسائق، ولمَا خلفه كالقائد، وعن أبي حنيفة أن المحرَّز بالراكب ما رَكِبَه، وما أمامه وواحدٌ مما خلْفه.
وحيث يُعتبر انتهاء نَظَره إليها، ففي اعتبار بلوغ الصوْت ما من، وقد يستغني بنظر المارَّة عن نَظَره، إذا كان يُسيِّرها في سوقٍ مثلاً، وإن لم تكنْ مقطَّرة، بل كانت، [تساق أو تقاد،] فمنهم من أطلَقَ القول بأنَّها غير محرَّزة؛ لأن الإبل لا تَسِير هكذا في الغالب، وعلى هذا جرى صاحب "التهذيب" وعن "الإفصاح": أنه لا فرْق بين أن تكون مقطَّرة أو لاَ تَكُونَ، وبهذا أخذ القاضي الرويانيُّ، وقال: المعتَبَرُ أن يَقْرُب منه، ويقع نظره عليها، ولا تعتبر صورة التقطير، وإذا اعتبرنا التَّقْطير، فينبغي ألاَّ تريد القطَارُ الواحدُ على تسْعةٍ؛ للعادة الغالبة، فإن زادتْ، فهي كغير المقطَّرة، ومنهم مَن أطْلَق ذكْر التقطير، ولم يعتدَّ بعدد، والأحسن توسُّطٌ أورده أبو الفرج السرخسيُّ في "الأمالي" فقال: في الصحراء لا يتقيَّد القطار بعدد، وفي العُمْران، يعتبر ما جَرَت العادة بأن يَجْعَلها قطاراً واحداً، وهو ما بين سبْعَةٍ إلى عَشَرةٍ، فإن زاد، لم تكُن الزيادة محرَّزَةً، والخيل والبغال والحمير والغنم السائرة كالإبل السائرة، إذا لم تكْن مقطرة، ولم يعتبروا التقطير فيها، لكنه معتاد في البغال، وعدد الغنم المحرَّزة بالواحدِ يختلفُ بالبلد والصحراء.