قَالَ الرَّافِعِيُّ: حصَل الفراغُ من الرُّكْنِ الأَوَّل، وهو المسروق وتبيَّنَ ما يُعتَبَرَ فيه؛ لوجوب القطع، وهذا الركْن الثاني كلامٌ في نفس السرقة، وقد مرَّ في صدْر الباب؛ أن السرقةَ أخذُ المالِ على وجْه الخُفية، فمن أخذ عياناً، كالمختَلِس والمنتهب، لم يلزمه القطْع، والمخْتَلِسُ الذي يعتمدُ الهَرَب، والمنتهب الذي يعتمد القوَّة والغلَبة، وكذلك لا قطْع على المودَعِ إذا جَحَد، وعن أحمد: أن عليهم القطْع.
لنا: ما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال (١): "لَيْسَ عَلَى المُخْتَلِسِ وَالمُنتَهِبِ وَلاَ عَلَى الخَائِنِ قَطْعٌ، وفُرِقَ بينهم وبيْن السارق من جهة المَعْنَى بأن السارق يأخُذُ المالَ في خُفْية، فلا يتأتَّى منْعه، فُشرع القطْع زجراً، وهؤلاء يقْصِدون المال عياناً، فيمكن دفْعُهم بالسلطان
(١) رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وابن حبان والبيهقي من حديث أبي الزبير عن جابر، وفي رواية لابن حبان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر، وليس فيه ذكر الخائن، ورواه ابن الجوزي في العلل من طريق مكي بن إبراهيم عن ابن جريج، وقال لم يذكر فيه الخائن غير مكي. قلت: قد رواه ابن حبان من غير طريقه، أخرجه من حديث سفيان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: ليس على المختلس ولا على الخانن قطع، وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه: لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير، إنما سمعه من ياسين الزيات وهر ضعيف، وكذا قال أبو داود، وزاد: وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر، وأسنده النسائي من حديث المغيرة، ورواه عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير، قال النسائي: رواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد بن يزيد وجماعة، فلم يقل واحد منهم عن ابن جريج. حدثني أبو الزبير، ولا أحسبه سمعه منه، وأعله ابن القطان بأنه من معنعن أبي الزبير عن جابر، وهو غير قادح، فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج، وفيه التصريح بسماع أبي الزبير له من جابر، وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف، رواه ابن ماجة بإسناده صحيح، وآخر من رواية الزهري عن أنس أخرجه الطبراني في الأوسط، في ترجمة أحمد بن القاسم، ورواه ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس وضعفه.