وأظهرهما: نعم؛ لأن المدة ألف أو ياء أو واو، وهي حروف مخصوصة فضمها إلى الحرف كضم حرف آخر إليه؛ ومال إمام الحرمين إلى رفع هذا الخلاف، بحمل الوجه الأول على ما إذا اتبعه بصوت غفل لا يقع على صورة المدات، والجزم بالمنع إذا اتبعه بحقيقة المدِّ، وفي التنحنح ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه إن لم يبن منه حرفان فلا تبطل الصلاة، وإلا فيبطلها، كما لو أتى بحرفين على وجه آخر.
والثاني: أنه لا تبطل، وإن بَانَ منه حرفان؛ لأنه ليس من جنس الكلام، ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل، وحكي هذا عن نص الشافعي -رضي الله عنه-.
والثالث: ذكره القَفَّالُ أنه إن كان مطبقًا [فمه](١) لم يضر، وإن كان فاتحًا فمه ننظر حينئذ: هل يبين منه حرفان أم لا؟.
والفرق أنه إن كان مطبقاً شفتيه كان التنحنح كقرقرة في التجاويف، فإذا فرعنا على الأول وهو الذي قطع به الجمهور، فذلك إذا أتى به قصداً من غير حاجة، فأما إذا كان مغلوباً فلا بأس، ولو تعذرت القراءة إلا به تنحنح، وهو معذور، وإن أمكنه القراءة لكن تعذر عليه الجهر لو لم يتنحنح ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يعذر به إقامةً لشعار الجهر، ولأن التنحنح في أثناء القراءة لا يعد منقطعاً عن القراءة، بل يعد من توابعها.
وأظهرهما: أنه ليس بعذر؛ لأن الجهر أدب وسنة، ولا ضرورة إلى احتمال التنحنح له، ولو تنحنح الإمام وظهر منه حرفان؛ فهل للمأموم أن يدوم على متابعته؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي الحسين:
أحدهما: لا، بل يفارقه؛ لأن الأصل سلامته، وصدور أفعاله عن اختياره.
وأظهرهما: أن له أن يدوم على متابعته؛ لأن الأصل بقاء العبادة، والظاهر من حالة الاحتراز عن مبطلات الصلاة، فيحمل على كونه مغلوباً، والضحك والبكاء والنفخ والأنين كالتنحنح، إن بَانَ منها حرفان بطلت صلاته، وإلا فلا؛ ولا فرق بين أن يكون بكاءه لأمر الدّنيا أو الآخرة.
وعند أبي حنيفة إن كان الأنين والبكاء لأمر الجنة والنَّار لم يضر، وإن كان لمرض ونحوه بطلت صلاته بكل حال.