إذا عرفت ذلك فعد إلى ألفاظ الكتاب: واعلم أن قوله: (والعمد منه مبطل للصلاة) الغرض منه بيان حكم الكلام في غير المعذور لإدارة الحكم على وصف العَمْدِية، فإنه قد يتكلم عامدًا ولا تبطل صلاته على ما سيأتي في الأعذار، لكن الوصف المقابل للعمدية وهو النسيان أشهر الأعذار، فكنى بالعامد من غير المعذور.
وقوله:(فتبطل الصلاة بالحرف الواحد ...) إلى آخره، إشارة إلى حد القليل، معناه: ما قَلَّ، هو الحرف الواحد، إن كان مفهماً أو حرفان كيفما كانا.
وقوله:(والتنحنح لغير ضرورة مبطل في أصح الوجوه) مطلق، والمراد منه ما إذا ظهر منه حرفان، فإن قُلْتَ: لو لم يظهر إلا حرف واحد لم يقع عليه اسم التنحنح، وقد تعرض في الكتاب للتنحنح، فلا حاجة إلى التقييد المذكور.
فالجواب أن انتفاء ظهور الحرفين قد يكون لانحصار (١) ما ظهر في الحرف الواحد، وقد يكون لاسترسال سعال، لا يبين منه حرف أصلاً فلا بد من التقييد.
قوله:"لغير ضرورة" كان المراد بالضرور الحاجة، وإلا فيدخل في قوله:(والتنحنح لغير ضرورة مبطل) ما إذا تعذرت القراءة إلا به؛ لأنه يمكنه الصبر، فلعلها تتيسر على قربٍ، وحينئذ يكون ما ذكره حكماً بالبطلان في تلك الصورة، ومعلوم أنه ليس كذلك.
فمنها: سباق اللسان إلى الكلام عن غير قصد منه، لا يقدح في الصَّلاة بحال؛ لأنا سنبين أن الناسي معذور، فهذا أولى؛ لأن الناسي يتكلم قاصداً إليه وإنما غفل عن الصلاة، وهذا غير قاصد إلى الكلام، وكذلك لو غلبه الضحك أو السعال لم يضر وإن بَانَ منه حرفان، ومنها النّسيان، فلا تبطل الصلاة بكلام الناسي للصلاة خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: كلام الناسي ككلام العابد، وسلم أبو حنيفة أن كلام الناسي لا يبطلها، وعن أحمد روايتان: