للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعَصْرَ وَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيَتَ، فَقَالَ: كُلَّ ذلِكَ لَمْ يَكُنْ. [فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذلِكَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ] (١) فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقِيلَ: نَعَمْ فَأتَمَّ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلاَةِ، وَسَجَدَ للسَّهْوِ" (٢).

ووجه الاستدلال: أنه تكلم معتقدًا أنه ليس في الصلاة، ثم بني عليها.

وأيضاً القياس على السلام ناسياً، وعلى الأكل في الصوم ناسياً.

ومنها: الجهل بتحريم الكلام على المصلي، لما روي عن معاوية بن الحكم قال: "لَمَّا رَجَعْتُ مِنَ الْحَبَشَةِ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَطَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَحَدَقَنِي النَّاسُ بأَبْصَارِهِمُ، فَقُلْتُ: مَا شَأَنكُم تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَضَرَبُوا بِأيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِم يُسَكِّتُونَنِي، فسَكت، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَا مُعَاوَيةُ إِنَّ صَلاتَنَا هذِهِ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ" (٣).

وهذا عذر في حق قريب العهد بالإسلام، فإن كان بعيد العهد به بطلت صلاته، لأنه مقصر بترك التعلم، ولو علم أن الكلام حرام "في الصلاة" ولكن لم يعلم أنه مبطل لها لم يكن ذلك عذرًا، كما لو علم أن شرب الخمر حرام ولم يعلم أنه يوجب الحد، بخلاف ما لو لم يعلم التحريم، والسبب فيه أنه بعد ما عرف التحريم حقه الامتناع.

وقال في "الوسيط" عقيب هذه المسألة: الجهل بكون التنحنح أو ما يجري مجراه مبطلاً فيه تردد -يعني- وجهين، والأصح أنه عذر، ويبعد أن يكون التصوير فيما إذا جهل كون التنحنح مبطلاً بعد العلم بتحريمه، فإنا إنما اكتفينا في المسألة السابقة بالعلم بالتحريم من حيث إنه إذا علم التحريم فينبغي أن يمتنع عن الحرام، ولا حاجة إلى العلم بكونه مبطلاً، وهذا موجود في التنحنح فلا يظهر بينهما فرق مع التسوية في الحرمة، والقول (٤) بكونهما مبطلين، ولكن الأقرب شيئان:

أحدهما: أن يكون هذا التردد في الجاهل، لكون التنحنح مبطلاً بعد العلم بكون الكلام مبطلاً، أو حراماً؛ لأن التنحنح وإن بَانَ منه حرفان لا يعد كلاماً، فلا يلزم من العلم بالمنع عن الكلام العلم بالمنع منه، والتردد على هذا التنزيل قريب من التردد فيما إذا علم أن جنس الكلام محرم ولم يعلم أن ما أتى به، هل هو


(١) سقط في "ب".
(٢) من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- أخرجه البخاري (٤٨٢، ٧١٤، ٧١٥، ١٢٢٧، ١٢٢٨، ١٢٢٩، ٦٠٥١، ٧٢٥٠)، ومسلم (٥٧٣).
(٣) تقدم.
(٤) في "ب" والجهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>