للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا [أَنْدَاه] الإِمام على سبيل الاحْتِمَالِ، وقد يؤيد ذلك بِظَاهِرِ لفظه في "المختصر"، حيث قال: "لا يُقَامُ على سَارِقٍ حَدٌّ إلا بأن يَثْبُتَ على إِقْرَارِهِ حتى يُقَامَ عليه الحَدُّ، أو بِعَدْلَيْنِ يقولان: [إن] هذا بِعَيْنِهِ سَرَقَ مَتَاعاً لهذا"؛ فإنه حَصَرَ الإثبات في الإقرار والبَيِّنَةِ.

وليعلم لما بَيَّنَا قوله في الكتاب: "ويثبت [الغُرْمُ] باليمين المردودة" [بالواو] (١).

قال الغَزَالِيُّ: وَتَثْبُتُ أَيْضاً بِالإِقْرَارِ مَعَ الإِصْرَارِ، فَإنْ رَجَعَ لَمْ يَسْقُطِ الغُرْمُ، وَفِي سُقُوطِ القَطْعِ قَوْلاَن، وَقِيلَ: يَسْقُطُ القَطْعُ، وَفِي سُقُوطِ الغُرْمِ بِالتِّبَعِيَّةِ قَوْلاَنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِكْرَاهِ جَارِيةٍ عَلَى الزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ سَقَط الحَدُّ، وَلاَ يَسْقُطُ المَهْرُ، ولَوْ أَقَرَّ السَّارِقَ قَبْلَ الدَّعْوَى فَهَلْ يُقْطَعُ فِي الحَالِ أَوْ ينْتَظَرُ طَلَبُ المَالِكِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَلاَ يُنْتَظَرُ سَيِّدُ الجَارِيَةِ إِذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا بِهَا مَعَ الإكْرَاهِ لِأَنَّ مَالِكَ الجَارَيةِ لَوْ قَالَ: كُنْتُ مَلَكْتُكِ قَبْلَ هَذَا فَكذَبَ لَمْ يَسْقُط الحَدُّ، وَبِمِثْلِهِ يَسْقُطُ الحَدُّ فِي السَّرِقَةِ إِذْ يُقْطَعُ بِطَلَبِ المَالِكِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الحُجَّةُ الثانية (٢): الإِقْرَارُ، فإذا أقر بِسَرِقَةٍ توجب القَطْعَ أجرى عليه حكمها، ولا يشترط تَكْرِيرُ الإِقْرَارِ، كما في سائر الحقوق.

وبه قال أبو حَنِيْفَةَ وَمَالِكٌ.

وقد يحتج له بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدَّ اللهِ تَعَالى" (٣)، ولم يفرق بين أن يُكَرِّرَ أو لا يُكَرِّر.


= والصواب الذي أورده العراقيون منهم المحاملي والجرجاني والماوردي وابن الصباغ وهو قضية كلام البغوي وغيره من المراوزة وصرح به البغوي في تعليقه وظاهر نصوص الشَّافعي قال في الأم: لا يقام على سارق حد إلا بواحد من وجهين: إما اعتراف يثبت عليه حتى يحد وإما شاهدان، وذكر في المختصر نحوه.
وقال الدارمي: لا قطع نصاً.
قال الماوردي: لأنه من حقوق الله المحضة التي لا يدخلها الأيمان في إثبات ولا إنكار فصارت اليمين مقصورة على العزم دون القطع وإنما أعجب من الإِمام ونقله عن الأصحاب ومتابعة الغزالي له وقد أشارا جميعاً إلى استشكاله وحسباه محل وفاق وإنما هو وجه شاذ لبعض المراوزة وأحسبه متفرغاً من وجه شاذ أن اليمين المردودة متعدى إلى ثالث على أن في انتزاعه منه نظراً وقد وافق الإِمام والغزالي على المنع في الزنا بأمة الغير وأنها كهذه المسألة وأخذ ذلك صاحب الخادم وزاد أدنى زيادة.
(١) سقط في ز.
(٢) في ز: الثابتة.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>