للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرجوع عن الإِقْرَارِ بِقَطْعِ الطريق كالرجوع عن الإِقرار بالسَّرِقَةِ.

ولو أَقَرَّ باسْتِكْرَاهِ جَارِيَةٍ على الزِّنَا، ولزمه المَهْرُ والحَدُّ جميعاً، ثم رَجَعَ، فقد قال الإِمام: قد يطرد صاحب الطريقة الثانية في الرُّجُوعِ عن الإقرأر بالسَّرِقَةِ طريقته، ويقول: [يسقط] الحَدُّ، وفي المَهْرِ خِلافٌ.

وأما على الطريقةِ الأولى، فيسقط الحَدُّ، وفي المَهْرِ احتمالان عن القاضي الحُسَيْن، أنه على الخلاف في القَطْعِ.

والثاني: القَطْعُ بالسقوط.

والفَرْقُ أن ارْتبَاطَ القطع بالمَالِ أَشَدُّ من ارتباط الحد بالمَهْرِ؛ لأن القَطْعَ لا يَنْفَكُّ عن المُطَالَبَةِ بِرَدِّ المَسْرُوقِ أو عن غَرَامَتِهِ، والحد يَنْفَكُّ عن المَهْرِ في الأكثر.

ويجوز أن يُعْلَمَ [في] الكتاب قوله: "قولان" في الطريقتين بالواو؛ لأن في "النهاية" عن الصَّيْدَلاَنِيِّ وَطَوَائِفَ من المُحَقِّقِينَ طريقة ثالثة، وهي القَطْعُ بسقوط القَطْعِ، وبقاء الغُرْمِ.

وقوله في الإقرار [بالاسْتِكْرَاه] (١) على الزنا: "يسقط الحَدُّ"، مُعْلَمٌ بالواو، وكذلك قوله: "ولا يسقط المَهْر"؛ لما بَيَّنَّاهُ.

المسألة الثانية: إذَا أَقَرَّ ابْتِدَاءً من غير تَقَدُّم دَعْوَى؛ بأنه سَرَقَ من فلان سَرِقَةً تُوجِبُ القَطْعَ، وفلان غَائِبٌ، فهل يُقْطَعُ في الحال، أو ينتظر حُضُور الغائب ومُطَالبته؟ فيه وجهان:

أحدهما -وبه قال أبو إِسْحَاقَ-: يُقْطَعُ لِظُهُورِ المُوجِبِ بإقراره.

وأصحهما: المَنْعُ؛ لأنه ربما أَباحَ له أَخْذَ المَالِ، وإِذَا حَضَرَ أَقَرَّ به، [فيسقط] الحَدُّ، وإن كَذَّبَهُ السَّارِقُ، والحَدُّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، فَأوْلَى أن [يُؤَخَّرَ بها] (٢).

ولو أَقَرَّ باسْتِكْرَاهِ جَارِيةِ غَائِبٍ على الزنا، فالأشهر والمذكور في الكتاب أنه يُقَامُ عليه حَدُّ الزنا، ولا يُنْتَظَرُ حُضُورُ المالك؛ لأن حَدَّ الزنا لا يتوقَّفُ على [طلبه].

ولو حضر وقال: كنت أَبَحْتُهَا له لم يَسْقُطْ حَدُّ الزِّنَا بذلك، وقال ابن سُرَيْجٍ: يُنْتَظَرُ حُضُورُ المالك؛ لجواز أن يقر بأنه كان قد وَقَفَ عليه تلك الجَارِيةَ، فيصير شُبْهَةً في سقوط الحَدِّ. قال الإِمام: وعلى الأَوَّلِ، لو قال مالك الجَارِيَةِ: كنت بِعْتُهَا منه أو وَهَبْتُهَا، وأنكر المُقِرُّ، يجب أن يقال: لا يَسْقُطُ الحَدُّ.


(١) في ز: والاستكراه.
(٢) في أ: يؤخرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>