للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: يقبل لانتفاء التُّهْمَةِ، حيث أَقَرَّ على نَفْسِهِ بما يُوجِبُ القَطْعَ.

وأصحها: المَنْعُ؛ لأنه إِقْرَارٌ على السَّيِّدِ من حيث إِنه يَتَعَلَّق الغُرْمُ بِرَقبَتِهِ إِن كَان المَالُ المُقَرُّ بسرقته تَالِفاً، ويُنْتَزَعُ منه إن كان بَاقِياً.

والثالث: أنه إن كان المَالُ بَاقِياً في يد العَبْدِ قُبِلَ إِقْرَارُهُ؛ لأن ظاهر اليَدِ له، وإن كان تَالِفاً لم يُقْبَل؛ لأنه يَتَعَلَّقُ الغُرْمُ حينئذ بالرَّقَبَةِ، وهي في يَدِ السَّيِّدِ.

والرابع: أنه إن كان تَالِفاً يقبل إِقْرَارُهُ؛ لأن غَايَتَهُ فَوَاتُ رَقَبَتِهِ في الضمان، والأَعْيَانُ التي تُفَوَّتُ لو قبلنا الإقْرَارَ بسرقتها لا تَنْحَصِرُ.

ولو أقر بسَرِقَةِ ما دون النِّصَابِ لم يُقْبَلْ في المال، بلا خِلاَفٍ إلا أن يصدقه السيد. واعلم أَن الأَقْوَالَ المذكورة مُخْتَصَرَةٌ من تَفْصِيل وطرق للأصحاب في أمثلة ذَكَرْنَاهَا بتوجيهها في باب الإِقْرَارِ.

وليعلم قوله: "قطع" بالألف والزاي؛ لما بَيَّنَّا هناك.

وقوله: "يقبل إن كان المَسْرُوقُ في يَدِهِ" أي: في يَدِ العَبْدِ، فأما إذا كان في يَدِ السَّيِّدِ، أو في يد أَجْنَبِيِّ، فلم يذكروا خِلاَفاً في أنه لا يُقْبَلُ، وقد ذكرناه في الإِقْرَارِ.

قال الغَزَالِيُّ: وَللْقَاضِي أَنْ يُشِيرَ عَلَى السَّارِقِ تَعْرِيفاً بِإنْكَارِ السَّرِقَةِ، فَيَقُولُ: مَا إِخَالُكَ سرَقْتَ، وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلاَمُ: أَسَرَقْتَ قُل: لاَ، وَبَعْدَ الإقْرَارِ لاَ يَحُثُّهُ عَلَى الرُّجُوعِ، وَإنَّما السَّتْرُ قَبْلَ الظُّهُورِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من رُفِعَ إلى مَجْلِسِ القاضي، واتُّهِمَ بما يُوجِبُ عُقُوبَةً لله تعالى، فللقاضي أن يُعْرِّضَ له بالإِنْكَار، ويحمله عليه سَتْراً لِلْقَبِيحِ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" (١).


(١) أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في حديث قوله: من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومن ستر على مسلم، ستره الله في الدنيا والآخرة، الحديث، وقال: رواه غير واحد عن الأعمش قال: حدثت عن أبي صالح، وكان هذا أصح، ورواه الحاكم من طريقين غير طريق الأعمش وقال: هذا يصحح الموصول، ورواه الترمذي من حديث ابن عمر في حديث أوله: المسلم أخو المسلم، الحديث وفيه: ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة، ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث مسلم بن مخلد مرفوعاً: من ستر مسلماً في الدنيا، ستره الله في الدنيا والآخرة، وعن ابن عباس مرفوعاً: من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته، رواه ابن ماجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>