للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما -وبه قال القاضي أبو الطَّيبِ-: نعم؛ لأن القَتْلَ والصَّلْبَ مَشْرُوعَانِ حَدًّا، وقد فات أحدهما، فيُسْتَوْفَى الآخر.

والثاني -وبه قال الشيخ أبو حامد: لا؛ لأن الصَّلْبَ صِفَةٌ تابعةٌ للقتل، وقد سَقَطَ المَتْبُوعُ، فيسقط التَّابِعُ، وهذا ما يُنْسَبُ إلى رِوَايَةِ الحارث بن سُرَيْجٍ القفال (١) عن النَّصِّ. والله أعلم.

قال الغَزَالِيُّ: (الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ العُقُوبَةِ) وَلَهَا حُكْمَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الظَّفرِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ يَجْرِيَانِ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ تَقْوَاهُ فَلاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ الْمَاضِيَةُ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ التَّعْرِيضِ لإِقَامَةِ الْحَدِّ تُبْتُ لاَ يُوثَقُ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَهُ الاسْتِبْرَاءُ وَصَلاَحُ الْحَالِ بِالْعَمَلِ، وَالإِسْقَاطُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: تُبْتُ بَعِيدٌ، ثُمَّ إِنَّمَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ الْحَدُّ دُونَ الْقِصَاصِ وَالْغُرْمِ، وَيَسْقُطُ قَطْعُ الْيَدِ (ح) وَالرِّجْلِ جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود الطرف (٢) مُدْرَجٌ في حُكمَيْنِ:

أحدهما: قد ذكرنا أن قَاطِعَ الطريق إِذَا هَرَبَ يُتَّبَعُ، وُيقَامُ عليه ما يَسْتَوْجِبُهُ من حَدٍّ (٣) أَو تَعْزِيرٍ، فإن مات قبل القُدْرَةِ عليه، سَقَطَ عنه ما يَخْتَصُّ بِقَطْعِ الطريق من العقوباتِ؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣٤].

وفي كتاب القاضي ابن كَجٍّ: أن أبا الحَسَنِ حَكَى عن القديم قَوْلًا أنه لا يَسْقُطُ، بِنَاءً على الخِلاَفِ في سقوط سائر الحُدُودِ بالتوبة، والمذهب المشهور الأول.

وإن تاب بعد القُدْرَةِ عليه، ففي سقوط ما يَختَصُّ بقطع الطريق بالتَّوْبَةِ طريقان:

أحدهما: القَطْعُ بأنه لا يسقط، وهو الذي أَوْرَدَهُ أصحابنا العراقيون وغيرهم.

والثاني: أن فيه قولين كالقَوْلَيْنِ في سقوط حَدِّ الزَّانِي، والسارق، وشارب الخمر بالتوبة، وهذا ما حكاه القَاضِي الرُّويَانيُّ عن الصَّيْدَلاَنِيِّ وعليه جَرَى الإِمَامُ، وصاحب الكتاب، وسواء ثَبَتَ الخِلاَفُ، أو لم يَثْبُتْ فالظَّاهِرُ أنه لا يسقط [وبه يشعر (٤)] التقييد (٥) في قوله تَعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤]. وَفُرِّقَ بين الحَالَتَيْنِ من


(١) في أ: البقال.
(٢) في أ: الفصل.
(٣) في ز: خلاف.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: التنفيذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>