للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهة المعنى بأنه [بعد] (١) القدرة عليه [متعرض] (٢) لِلحَدِّ [مُتَّهَمٌ] بِقَصدِ الدفع في [نفسه] (٣) بالتَّوْبَةِ، وأما قَبْلَ القُدْرَةِ عليه فهو ممتنع (٤) عن طَاعَةِ الإِمام، وتوبته (٥) بَعِيدَةٌ عن التُّهْمَةِ، قَرِيبةٌ من الحقيقة.

وهل تُؤَثِّرُ التَّوْبَةُ في إسقاط حَدِّ الزِّنَا، والسرقة، وشرب الخمر في حَقِّ غير قَاطِعِ الطريق، وفي حَقِّ قاطع الطريق قبل القُدْرَةِ عليه، وبعدها؟ فيه قولان، سبق ذكرهما مَرَّةً في جِنَايَةِ الزِّنَا، والأصح على ما ذكره الإِمام، وصاحب "التهذيب" وغيرهما، ويُنْسَبُ إلى الجديد، وبه قال أبو حنيفة: أنها لا تُؤَثِّرُ، واحتج له بأن قوله -تعالى- في آية الزِّنَا: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] مطلق وكذا قوله -عزَّ وجَلَّ- في السرقة: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]. ولم يفرق بين ما قبل التَّوْبَةِ وبين ما بعدها، [و] (٦) أيضًا فإن الكَفَّارَةَ لا تسقط بالتوبة، فكذلك الحُدُودُ التي هي كَفَّارَاتٌ.

والثاني -ورَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ من العراقيين أنها تُؤَثِّرُ في إِسْقَاطِهَا؛ لأنها حدود خَالِصَةٌ لله تعالى، فَأشْبَهَتْ حدَّ قَاطِعِ الطَّرِيق، وَيتَفَرَّعُ على ما ذكرناه فرعان:

أحدهما: ما يسقط بالتَّوْبَةِ في حَقِّ قَاطِعِ الطريق قبل القُدْرَةِ عليه يسقط بنفس التَّوْبَةِ، وأما بعد القُدْرَةِ عليه وفي حق الزَّانِي، والسارق، وشارب الخمر، فقد حكى الإِمَامُ وجهين:

أحدهما: أن الجَوَابَ كذلك، وإِظْهَارُ التوبة كَافٍ (٧) كإظهار الإِسلام تحت ظِلاَلِ السُّيُوفِ.

والثاني: أنه لا بد مَعَ التَّوْبَةِ من إِصْلاَحِ العَمَلِ ليظهر الصِّدْقُ فيها، وتحصل الثقة (٨)، ونَسَبَ الإِمَامُ هذا الوَجْهَ إلى القاضي الحُسَيْنِ، والأَوَّلَ إلى سائر الأصحاب، والذي أَوْرَدَهُ جَمَاعَةٌ من العراقيين، وتابعهم صاحب "التهذيب" والقاضي الرُّوَيانِيُّ ما نسبه إلى القاضي الحسين، وتَمَسَّكُوا له بظاهر القرآن، فإن الله -تعالى- قال في قُطَّاعِ الطريق: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] لم يَتَعَرَّضْ إلا للتَّوْبَةِ، وقال في الزِّنَا: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: ١٦] وفي السرقة:


(١) في ز: قصد.
(٢) في ز: يتعذر.
(٣) في ز: في.
(٤) في ز: ممنوع.
(٥) في ز: وقريته.
(٦) سقط في ز.
(٧) في ز: كان.
(٨) في ز: النفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>