للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: ٣٩] فاعتبر الأَصْحَابُ مع التوبة [الإِصْلاَحَ،] (١) ومن جهة المَعْنَى بما سَبَقَ أن توبته قبل القُدْرَةِ لا يَظْهَرُ فيها احْتِمَالُ الخَوْفِ والتَّقِيَّةِ، وفي هذا المُنْتَهَى (٢) كلامان:

أحدهما: ذكر الإِمَامُ تَفْرِيعًا على اعتبار إِصْلاحَ العَمَلِ [أن يُمْتَحَنَ] (٣) سِرًّا وَعَلَنًا، فإن بَدَا الصَّلاَحُ، أسقطنا الحَدَّ عنه، وإِلَّا حَكَمْنَا [بأنه لم يسقط] ورأى هذا مشكلًا؛ لأنه لا سَبِيلَ إلى حقيقته، وإن خلى فكيف يتبع، وكيف يُعْرَفُ صلاحه؟! وحُمِلَ ذِكْرُ الصَّلاحَ في الآية على اعتباره في العَفْوِ والمغفرة، ويشبه أن يقال: في التفريع عليه: إذا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ امْتَنَعْنَا من إقامة الحَدِّ عليه، فإن ظَهَرَ الصَّلاَحُ من بَعْدُ، أو لم يَظهَرْ ما يخالف التَّوْبَةَ فذاك، وإن ظهر ما يخالفها أقمنا الحَدَّ عليه.

والثاني: حْكَيْنَا في باب الزِّنَا طريقين في مَوضِعِ القولين، في سُقُوطِ الحَدِّ بالتوبة:

أحدهما: تخصيص القَوْلَينِ بما إذا تَابَ قبل الرَّفْعِ إلى القاضي، فإن تاب بعد الرَّفْعِ لم يَسْقُطْ بلا خلافٍ.

والثاني: طَرْدُ القولين في الحَالَتَيْنِ، وقد يرجع هذا الخِلاَفُ إلى الخِلاَفِ في أن التوبة بمجردها تُسْقِطُ الحد، أو يعتبر صَلاَحُ العَمَلِ؟ إن اعتبرنا الصَّلاَحَ، فلا بد من مُضِيِّ زَمَانٍ يظهر به الصِّدْقُ والصلاح، ولا تكفي التَّوْبَةُ بعد الرَّفْعِ.

الفرع الثاني: إذا تاب قَاطِعُ الطريق قبل القُدْرَةِ عليه، فإن كان قد قتل سقط عنه انْحِتَامُ القَتْلِ، وللولي أن يَقْتَصَّ، وله أن يَعْفُوَ، هذا هو الظاهر، وفيه كلامان:

أحدهما: أنه مبنيٌّ على أن عُقُوبَةَ قاطع الطريق لا تَتَمَحَّضُ حَدًّا، بل يَتَعَلَّقُ بها القِصَاصُ، وهو الأَظْهَرُ على ما سَيَأْتِي إن شاء الله تعالى.

أما إذا مَحَّضْنَاهَا حَدًّا فلا يَبْقَ عليه شيء.

والثاني: أنه حَكَى تَخْرِيجَ وَجْهٍ في القِصَاصِ، وفي حَدِّ القذف أنهما يسقطان بالتوبة؛ لأنهما يَسْقُطَانِ بالشُّبْهَةِ كحدود الله تعالى.

وفي كتاب القاضي ابن كَجٍّ أن أبا الحسين نَقَلَهُ قولًا عن القديم في حَقِّ القَذْفِ، وإن كان قد قَتَلَ، وَأَخَذَ المَالَ، سقط الصَّلْبُ، وانْحِتَامُ القَتْلِ، وبقي القِصَاصُ، وضمان


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: المسمى.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>