للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثُ): إِذَا اجْتَمَعَتْ عُقُوبَاتٌ لِلآدَمِيِّينَ كَحَدِّ القَذْفِ والقَطْعِ والقَتْلِ وَطَلَبُوا جَمِيعًا جُلِدَ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقُّ القَتْلِ غَائِبًا لَمْ يُبَادَرْ إِلَى القَطْعِ بَعْدَ الجَلْدِ خَوْفاً مِنَ الْهَلاَكِ بِالْمُوَالاَةِ، وإنْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الطَّرَفِ حَقَّهُ اسْتَوْفَى الجَلْد وَتَعَذَّرَ القَتْلُ إِذْ فِيهِ تَفْوِيتُ القَطْعِ فَعَلَى مُسْتَحِقِّ القَتْلِ الصَّبْرُ أَبَدًا إِلَى أَنْ يَقْطَعَ مُسْتَحِقُّ الطَّرَفِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا اجْتَمَعَتْ على شَخْصٍ عُقُوبَاتُ الآدميين؛ كَحَدِّ القذف، والقطع قِصَاصًا [والقتل قصاصًا] (١) نظر [إن حَضَرَ] (٢) المستحقُّون، وطَلَبُوا تَوْفِيَةَ حقوقهم جميعًا، جُلِدَ ثم قطع، ثم قتل، ويُبَادَرُ إلى القَتْلِ بعد القَطْعِ، ولا يُبَادَرُ إلى القطع بعد الجَلْدِ إن كان مُسْتَحِقُّ القَتْلِ غائبًا؛ لأنه قد يهلك بالمُوَالاَةِ، فيفوت قِصَاصُ النَّفْسِ، وتذهب النَّفْسُ هَدرًا، وإن كان حاضرًا وقال: لا تُؤَخِّرُوا القَطْعَ لي فإني أُبَادِرُ إلى القَتْلِ بعد القطع، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يُبَادر إليه؛ لأن التَّأْخِيرَ كان لحقه (٣)، وقد رَضِيَ بالتقديم.

وأظهرهما: المنع؛ خَوْفًا من أن تَهْلِكَ النفس بالمُوَالاَةِ.

ورأى الإِمام تَخْصِيصَ الوجهين بما إذا خِيفَ مَوْتُهُ بالمُوَالاَةِ بحيث يَتَعَذَّرُ قِصَاصُ النفس لانْتِهَائِهِ إلى حَرَكَةِ المَذْبُوحِ، ورأى أن يقطع بالمُبَادَرَةِ إذا أمكن اسْتِيفَاءُ القِصَاص بعد القطع وإن لم يَجْتَمِعُوا على الطَّلَبِ، فإن أَخَّرَ مستحق النفس حَقَّهُ، جلد فإذا بَرِئَ قطع، وإن أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الطَّرَفِ حَقَّهُ، جُلِدَ، وَيَتَعَذَّرُ القَتْلُ بحق مُسْتَحِقِّ الطرف، فعلى مستحق النَّفْسِ الصَّبْرُ إلى أن يَسْتَوْفِي مُسْتَحِقُّ الطرف حَقَّهُ.

قال في "الوسيط": ولو مُكِّنَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ من القَتْلِ، وقيل لمستحق الطرف: بَادِرْ، وإلا ضَاعَ حَقُّكَ لفوات مَحِلِّهِ، لم يكن بعيدًا، ولو بَادَرَ مستحق النفس، وقَتَلَهُ كان مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ، ويرجع مُسْتَحِقُّ الطرف إلى الدية.

واعلم أن تَقْدِيمَ القَطْعِ على القَتْلِ إذا حضر المُسْتَحِقَّانِ قد سبق ذِكْرُهُ في الكتاب في الطَّرَفِ الثاني في حُكْمِ القِصَاصِ الواجب، ورَوَيْنَا هناك عن مَالِكٍ أنه يكتفي بالقتل عن القَطْعِ.

ويجوز أن يُعْلَمَ لذلك قَوْلُهُ هاهنا: "ثم قطع" بالميم.

ولو أخر مُسْتَحِقُّ الجَلْدِ حَقَّهُ، فقياس ما سَبَقَ أن يَصْبِرَ الآخَرَانِ، وإذا اجتمع على وَاحِدٍ حُدُودُ قَذْفٍ لجماعة، فَيُحَدُّ لكِل واحد منهم حَدًّا، ولا يوالي بينها، بل إذا حُدَّ


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: بحقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>