للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهما -وهو المنصوص: نعم، كما لو لم يُوجَدْ إلا المُحَارَبَةُ، والقَطْعَانِ قد جعلا عن المُحَارَبَةِ إِدْرَاجًا لِقَطْعِ السرقة في قطع المُحَارَبَةِ، وقد نقول هذا عن السَّرِقَةِ، وهذا عن المُحَارَبَةِ، لكن العُضوَينِ مَقْطُوعَانِ، لو لم يوجد إلا المُحَارَبَةُ، فزيادة الجِنَايَةِ لا تمنع من المُوَالاَةِ.

وإن اجتمعت عقوبات لله -تعالى- وللآدَمِيِّينَ، كما إِذَا انْضَمَّ حد القَذْفِ إلى هذه العقوبات، فَحَدُّ القذف يُقَدَّمُ على حَدِّ الزنا. نصَّ عليه، واختلفوا في أنه لِمَ يُقَدَّمُ؟ فعن أبي إِسْحَاقَ في جماعة أنه إنما يُقَدَّمُ؛ لأنه حَقُّ الآدمي، وحقوق الآدميين مَبْنِيَّةٌ على المُضَايَقَةِ، وهذا أَصَحُّ عند الأَئِمَةِ.

وقال ابن أبي هريرة: إنما يُقَدَّمُ؛ لأنه أَخَفُّ، وفيما يقدم في حَدِّ القذف [والشرب] (١) وجهان بِنَاءً على المعنيينن إن قلنا [إن التقديم] (٢) هناك؛ لأنه حَقُّ الآدمي، فيقدم حَدُّ القَذْفِ، وإن قلنا: لأنه أَخَفَّ، فيقدم حَدُّ الشرب، ويجريان في حَدِّ (٣) الزنا، وقطع الطِّرَفِ قِصَاصًا، والإِمْهَالُ بعد كل عُقُوبَةٍ إلى الانْدِمَالِ على ما ذكرنا ولو كان القَتْلُ الوَاجِبُ بَدَلَ قتل الردة القَتْلُ قصاصًا، فالقول في الترتيب، والإِمْهَالِ، كذلك، وإذا اجتمع الرَّجْمُ للزنا، والقَتْلُ قِصَاصًا، ففي كتاب القاضي ابن كَجٍّ حِكَايَةُ وجهين.

أحدهما: أنه يُقْتَلُ رَجْمًا بإذن الوَلِيِّ لَيَتَأَدَّى الحَقَّانِ.

وأصحهما: أنه يسلم إلى الوَلِيِّ ليقتله قِصَاصًا.

ولو كان القَتْلُ الواجب في المُحَارَبَةِ؛ فهل يجب التَّفْرِيقُ بين الحُدُودِ المُقَامَةِ قبل القَتْلِ؟ فيه وجهان:

أحدهما -ويُنْسَبُ إلى أبي إِسْحَاقَ-: أنه لا يجب؛ لأنه مُتَحَتِّمُ القتل والإهلاك، فلا معنى للإمهال (٤)، بخلاف قتل الرِّدَّةِ، فإنه يُتَوَقَّعُ عَوْدُهُ إلى الإِسلام، ويخالف القتل قِصَاصًا، فإنه يُتَوَقَّعُ العَفْوُ.

وأصحهما: أنه يجب؛ لأنه قد يَمُوتُ بالمُوَالاَةِ، فتفوت سَائِرُ الحُدُودِ، فإذا اجتمع قَتْلُ المُحَارَبَةِ مع (٥) قَتْلِ قِصَاصٍ لا في المُحَارَبَةِ، نظر في الأَسْبَقِ فإن كان القَتْلُ في المُحَارَبَةِ أَسْبَقَ، قتل حَدًّا، ويعدل للقتل الآخر إلى الدِّيَّةِ، وإن كان القَتْلُ الآخر سَبَقَ تخير الوَلِيُّ فيه، فإن عَفَا عنه، قُتِلَ وصُلِبَ لِلْمُحَارَبَةِ وإن اسْتَوَفَى القصاص فَيُعْدَلُ لِقَتْلِ المُحَارَبَةِ إلى الدِّيَةِ. وهل يصلب؟.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: القديم.
(٣) في أ: جلد.
(٤) في ز: للإهمال.
(٥) في ز: منع.

<<  <  ج: ص:  >  >>