للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعكس بعضهم، فجعل التَّدَاوِي أَوْلَى بالمنع، وادعى أن تَأْثِيرَهُ في إزالة العَطَشِ مَوْثُوقٌ به [في الحال]، وفي رفع العِلَّةِ غَيْرَ مَوْثُوقٍ به، فإن الطَّبِيبَ وإن تَبَحَّرَ لا يجزم بقضاء على مَرِيضٍ حتى قال بقراط: التجربة خَطَرٌ، والقضاء عَسِيرٌ، ولذلك قال الإِمام: يجوز الشُّرْبُ لدفع العَطَشِ في قول الأصحاب أجمعين.

وقال في التَّدَاوي: قال الأَصْحَابُ: لا يجوز، وبَلَغَنَا عن آحَادٍ من المتأخرين تَشْبِيبٌ بجوازه من غير تَدْوِينٍ في تَصْنِيفٍ، وإنما تَرَامَزُوا به تَرَامُزَ الكَاتِمِينَ، ويوافق صَنِيعُ صاحب الكتاب هذه الطريقة، فإنه أجاب بِجَوَازِ الشُّرْبِ لِدَفْعِ العَطَشِ، ويمنعه للتداوي.

ومن الأصحاب من لم يَتَعَرَّضْ للتَّرْتِيبِ، ورأى الأظهر فيها المنع، وعلى ذلك جَرَى الشَّيْخُ أبو حَامِدٍ والمحاملي وابن كَجٍّ وغيرهم، ثم الخِلاَفُ في التَّدَاوِي مَخْصُوصٌ بالقَلِيلِ الذي لا يُسْكِرُ، كذلك ذَكَرَهُ صاحب "التهذيب" والرُّوَيَانِيُّ، ولاَ بُدَّ من خبر طَبِيبِ مُسْلِمٍ، ومن خِبْرَتُهُ في نفسه [أو معرفة المتداوي إن عرف] ويشترط ألا يجد ما يقوم مقامها، ويعتبر هَذَانِ الشَّرْطَانِ في تَنَاوُلِ سائر الأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. ولو قال الطبيب: يَتَعَجَّلُ بِأَكْلِهَا الشِّفَاءَ، فوجهان:

أولاهما: الجواز.

ثم ذكر في الكِتَابِ أنه لا حَدَّ على المُتَدَاوِي، وإن حكمنا بأنه لا يَجْوزُ الشُّرْبُ للتَّدَاوِي، ويجعل قصد التداوي شُبْهَةً دارئة للحَدِّ للخلاف في حَلِّ (١) الشرب. ويُحْكَى هذا عن القَاضِي حسين وفي "النهاية" أن الأَئِمَّةَ المُعْتَبَرِينَ أَطْلَقُوا أَقوَالَهُمْ في الطرف أن التداوي بالخمر حَرَامٌ، وأن المتداوي بها محدود (٢).

والخامس: ألا يكون له في الشُّرْبِ عُذْرٌ، وفيه صورتان:

إحداهما: حديث العَهْدِ بالإِسلام إذا ادّعى أنه لم يَعْلَمْ تَحْرِيمَ الخمر لم يُحَدَّ، وإن قال: علمت التحريم، ولم أعلم أن فيه حَدًا أُقِيمَ عليه الحَدُّ، لأنه إذا علم التَّحْرِيمَ، فَحَقُّهُ أن يمنع.

والثانيةَ: إذا شَرِبَ الخَمْرُ، وهو يَظُنُّ أنه شَرِبَ ما ليس بِمُسكِرٍ في جِنْسِهِ، فلا حَدَّ عليه، وإن سَكِرَ وفَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ، لم يلزمه قَضَاؤُهَا، كالمغمى عليه، وإن عَلِمَ أنه من


(١) في ز: حد.
(٢) كلام الرافعي في الشرح الصغير يقتضي ترجيح الأول فإنه قال: لا حد على المتداوي وإن لم يجز الشرب تداويًا ويكون قصد التداوي شبهة دارئة لا حدّ، وقيل بخلافه. وقال الشيخ في تصحيح التنبيه: المختار لا حد وهو الذي أورده الماوردي إلى آخر ما ذكر في الخادم.

<<  <  ج: ص:  >  >>