للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جَوَزَ الشُّرْبَ لِدَفْعِ العَطَشِ، قال بوجوبه كَتَنَاوُلِ المَيتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، ونفي الحَدَّ.

وإذا لم نُجَوِّزْهُ، فليكن الحَدُّ على ما سنذكر فيما إذا شَرِبَهُ لِلتَّدَاوِي، ولم نجوزه.

الثانية: إذا غصَّ بِلُقْمَةٍ، ولم يجد ما يسيغُها سوى الخَمْرِ، فله بَلْ عليه الإِسَاغَةُ بها، ولا حَدَّ (١). وفيما علق عن الشيخ إبراهيم المَرْوَذِيِّ حكاية وجهين فيه، وقد يُوَجَّهُ المَنْعُ بِمُطلَقِ قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠]. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". وفي التداوي بالخَمْرِ وجهان:

أحدهما -وبه قال أبو حَنِيْفَةَ-: يجوز؛ لأنَّ المقصود رَفْعُ المَحْظُورِ، فأشبه ما إذا أُكْرِهَ على الشُّرْبِ، وما إذا شَرِبَ لإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ، ولأنه يجوز التَّدَاوِي بالأعيان النَّجِسَةِ كلحم الحَيَّةِ والسَّرَطَانِ والمَعْجُونِ الذي فيه خمر، وفكذلك التداوي بالخَمْرِ.

والثاني -وبه قال مَالِكٌ، وابن أبي هُرَيْرَةَ-: لا يجوز؛ لأن النَّبِيَّ -عليه السلام- سُئِلَ عن التَّدَاوِي بالخَمْرِ، فقال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيكُمْ" (٢) ويروى أنه قال: "ذَلِكَ دَاءٌ وَلَيْسَ بِشِفَاءٍ" (٣).

وأيضًا فالخمر أُمُّ الخَبَائِثِ، وقليلُها يَدْعُو إلى كثيرها، ولا يؤمن أن يَتَوَلَّدَ منها ما هو شَرٌّ من العِلَّةِ.

واختلفوا في حال الوَجْهَيْنِ في الشُّرْبِ للتَّدَاوِي، مع الوجهين في الشرب للعطش، فجعل بعضهم التَّدَاوِيَ أَوْلَى بالجِوَازِ، وقال: النفع منه مُتَوَقَّعٌ، وأما العَطَشُ، فإنه لا يدفعه، بل يزيده، ولهذا أجاب في "التهذيب" في الشُّرْبِ للعطش بالمنع وأورد في التَّدَاوِي وجهين، وذكر الرُّوَيانِيُّ أن الأظهر في العَطَشِ المَنْعُ، وفي التداوي الجَوَازُ،


(١) اعترض بعضهم بأن الخلاف في الجواز لا في الوجوب وهو مردود فقد جزم الإِمام هنا بالوجوب، وغص بفتح الغين.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: ويروى أنه قال: وإنما ذلك داء، وليس بشفاء، ابن حبان والبيهقي من حديث أم سلمة: نبذت نبيذًا في كوز، فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ قلت: اشتكت ابنة لي، فَصَنَعْتُ لها هذا، فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم، لفظ البيهقي: ولفظ ابن حبان: إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام، وذكره البخاري تعليقًا عن ابن مسعود، وقد أوردته في تعليق التعليق من طرق إليه صحيحة، وأما اللفظ الثاني: فرواه مسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان، من حديث علقمة بن وائل عن وائل بن حجر: أن طارق بن سويد الجعفي سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر فنهاه عنها، وكره أن يصنعها، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء، وفي رواية ابن حبان: إنما ذلك داء، وليس بشفاء، وقال بعضهم عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد، وصححه ابن عبد البر.
(٣) ينظر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>