للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه لا يكفي (١) لإِقَامَةِ الحَدِّ لاحتمال أنه جَهِلَ كَوْنَهُ مُسْكِرًا، أو أنه كان مُكْرَهًا عليه، وهذا كما أنه لاَ بُدَّ من التَّفْصِيلِ في شَهَادَةِ الزِّنَا، وبهذا قال القاضي أبو حَامِدٍ، واختاره إِمَامُ الحَرَمَيْنِ من غير أن ينقله عن الأَصْحَابِ.

وأشهرهما -وهو ظَاهِرُ النَّصِّ-: أنه يكتفي به، ولا حَاجَةَ إلى التُّعَرُّضِ للعلم والاختيار، ووجه بأن إضافة الشُّرْبِ إليه قد حَصَلَتْ، والأصل عَدَمُ الإِكْرَاهِ، والغَالِبُ من حال الآكِلِ والشَّارِبِ العِلْمُ [بما] (٢) يأكل، ويشرب، وصار كما في الإِقْرارِ بِالبَيْعِ والطَّلاَقِ والشهادة عليهما لا يُشْتَرَطُ فيهما التَّعَرُّضُ للاختيار والعلم، وفَرَّقُوا بَيْنُهُ وبين شَهَادَةِ الزنا؛ بأن الزِّنَا يعبر به (٣) عن مُقَدِّمَاتِهِ، كما ورد في الخبر: "العَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَاليَدَانِ تَزْنيَانِ" (٤) فاحْتِيج فيهما إلى الاحْتِيَاطِ.

ومنهم من لم يُثْبِتِ الوَجْهَ الأَوَّلَ، وقطع بالثاني ولْيُعْلَمْ لما حَكَيْنَا قوله في الكتاب: "ويكفي أن يَقُولَ الشَّاهِدُ" بالواو. وعن أبي حَنِيْفَةَ: أنه لا بد وأن يُوجَدَ مع الإقرار أو البَيِّنَةِ رَائِحَةُ الخَمْرِ منه.

وفي "أمالي" أبى الفرج (٥) السَّرَخْسِيِّ أن عنده يُقَامُ عليه الحَدُّ إذا وُجدَتْ منه الرَّائِحَةُ، وإن لم تَقُمْ بَيِّنَةٌ، ولا إقرار، فإن صَحَّ ذلك أعلم قوله: "ولا يعوّل" (٦) بالحاء.

"فروع": ما يُزِيلُ العَقْل من غير الأَشْرِبَةِ كالبَنْجِ [حرام لكن] لا حَدَّ (٧) في تَنَاوُلهِ؛ لأنه لا يَلذُّ ولا يَطْرَبُ، ولا يدعو قَلِيلَهُ إلى كَثِيرِهِ. ولو احْتِيجَ في قَطْعِ اليد المُتَآكِلَةِ -نَعُوذُ بالله منه- إلى أن يُزَالَ عَقْلُهُ، هل يجوز ذلك؟ خُرِّجَ على الخِلاَفِ في التَّدَاوِي بالخمر والنَّدُّ المَعْجُونُ بالخمرِ نَجِسٌ. قال في "الشامل": ولا يجوز بَيْعُهُ، وكان ينبغي أن يجعل كالثَّوْبِ النَّجِسِ لإمكان تَطْهِيرِهِ بالنَّقْعِ بالماء، ومن تبخر به هل ينجس؟ ذكر فيه وجهين؛ بِنَاءً على الخلاف في دُخَانِ النَّجَاسَاتِ.

قال الغَزَالِيُّ: (النَّظَرُ الثَّاني في الوَاجِبِ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً، وَلَوْ ضُرِبَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ بالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ كفيَ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَلَوْ رَأَى الإِمَامُ أن يُجْلَدَ ثَمَانِينَ جَازَ عَلَى الأَظْهَرِ، وَلاَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينِ أَصْلاً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: رَوَى الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بإسناده [عن عبد الرحمن بن


(١) في ز: يكتفي.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: عنه.
(٤) تقدم.
(٥) في ز: الحسن.
(٦) في ز: يقول.
(٧) في ز: حل.

<<  <  ج: ص:  >  >>