للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام فالاحتراز عن قليله وكثيره هين، ثم بماذا يفرق بين القليل والكثير؟ للأصحاب فيه عبارتان غريبتان، وعبارتان مشهورتان، فإحدى الغريبتين أن القليل: ما لا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة فإن وسع فهو كثير، حكاها صاحب "العدة".

الثانية: أن كل عمل لا يحتاج فيه إلى كلتا اليدين فهو قليل، وما يحتاج فيه إليهما فهو كثير.

فالأول: كرفع العمامة وحل أشرطة السراويل.

والثاني: كتكوير العمامة وعقد الإزرار والسراويل.

وأما المشهورتان:

فإحداهما: ما حكي عن القفال وغيره أن القليل هو القدر الذي لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة، والكثير الذي يظن أن فاعله ليس في الصلاة، وهذا هو الذي ذكره في الكتاب، فقال: "والكثير ما يخيل إلى الناظر الإعراض عن الصلاة" واعترضوا عليها بأن هذا الظن والتخيل إما أن ينشأ من أنه غير محتمل في الصَّلاَة شرعاً، أو أن غالب عادة المصلين الاحتراز عنه من غير أن ينظر إلى محتمل، أم لا، فإن كان الأول فإنما يحصل هذا الظن أو الخيال لمن عرف حد الكثير المبطل، ونحن عنه نبحث، فكأنا قلنا: الكثير هو الذي يحكم ببطلان الصلاة به من عرف أنه مبطل، ومعلوم أن هذا لا يفيد شيئاً، وإن كان الثَّانِي فهو يشكل بما إذا رآه يحمل صبيًا، أو يقتل حية، أو عقربًا، فإنه محتمل مع أن الناظر إليه يتخيل أنه ليس في الصلاة؛ لأنه على خلاف عادة المصلين غالباً.

والثانية: أن الرجوع [في الفرق بينهما] (١) إلى العادة فلا يضر ما يعده النَّاس قليلاً، كالإشارة برد السلام، وخلع النعل، ولبس الثوب الخفيف ونزعه، وما أشبه ذلك، وهذه العبارة هي التي اختارها الأكثرون ومنهم الشيخ أبو حامد ومن تابعه، ولم يذكر صاحب "التهذيب" سواها، وأوردها الصيدلاني مع الأولى، وأشعر إيراده بترجيح هذه الثانية أيضاً، وعند هذا لا يخفى عليك أن قوله: (والكثير ما يخيل إلى الناظر) ينبغي أن يعلّم بالواو إشارة إلى العبارات الآخر، ثم أطبق أصحاب العبارتين المشهورتين على أن الفعلة الواحدة معدودة من القليل (٢)، كالخطوة الواحدة والضربة الواحدة، وقد


(١) سقط في "ب".
(٢) ومحله حيث لم يقارنها عزم على عمل كثير أما لو قارنها عزم على عمل كثير بأن نوى أن يضرب ثلاث ضربات متوالية وضرب واحدة بطلت صلاته كما نص عليه الشافعي كما نقله عنه في الشامل والبيان وغيرهما ومحل عدم البطلان من الفعلة الواحدة ما إذا لم يفعلها على وجه اللعب فإن فعلها على وجه اللعب بطلت. روضة الطالبين (١/ ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>