للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِهِةً واحِدَةً فليس للسابق قوة (١)، واعتماد على اللاحق (٢)، فينبغي أن يقال: إن تَمَزَّقَ مَدَاسُ السابق، فالضمان على اللاحق، وإن تمزق مقدم مداس اللاَّحق، فلا ضَمَانَ على السابق.

وقوله في الكتاب: "فالضمان على صَاحِبهَا" يجوز إعْلاَمُهُ بالواو؛ لأن في كتاب القاضي ابن كَجٍّ وجهًا مُفَصّلاً عن بعضهم بين الحَيَوانِ والحيوان وبين السَّوْقِ والقَوَدِ [قال]: إن كانت الماشية مما تُسَاقُ كالغنم، فَسَاقَهَا لم يلزمه شيء، وعلى صاحب المَتَاعِ حِفْظُ متاعه، كما ذكرنا أن على صَاحِبِ الزَّرْع حِفْظَ الزرع في الصحراء، وإن كانت مما تُقَادُ، ويؤخذ بمخطمها وساقها، فعليه الضَّمَانُ؛ لأنه مُقَصِّرٌ في حفظها، والمشهور الإطلاق كما تقدم.

واعلم أن جَمِيعَ ما ذكرنا في وُجُوبِ الضمان على صَاحِبِ الدَّابَةِ هو فيما إذا لم يُوجَدْ من صاحب المال تَقْصِيرٌ، فإن وجد بأن عَرَضَهُ للدابة، أو وَضَعَهُ في الطريق، فلا ضَمَانَ على صاحب الدابة.

قال الغَزَالِيُّ: (فَرْعٌ) أَمَّا ما تُتْلِفُهُ الهِرَّةُ المَلُوكَةُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبَها عَلَى وَجْهٍ إِذْ لا يُعْتَادُ ربْطُهَا، وَيَجِبُ عَلَى وَجْهٍ وَهِيَ كَالبَهِيمَةِ لاَ يُضْمَنُ إِلاَّ مَا أتلَفَتْهُ بِاللَّيْلِ عَلَى وَجْهٍ، وَقِيلَ لا يُضْمَنُ إلاَّ مَا أَتلَفَتْ بِالنَّهَارِ إذِ التَّقْصِيرُ بِاللَّيْلِ مِمَّنْ لا يُغَطِّي الطَّعَام، وَلَوْ صَارَتْ هِرَّةً ضَارِيَةً بِالإِفْسادِ فَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا إلْحَاقاً لَهَا بِالفَوَاسِقِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا كَانت له هِرَّةٌ تأخذ الطُّيُورَ، وتقلب القُدُورَ، فأتلفت شيئًا، فهل على صاحبها الضَّمَانُ؟ فيه وجهان:

أظهرهما: نعم، سواء أتْلَفَتْهُ ليلاً أو نهارًا لأن مثل هذه الهِرَّةِ ينبغي أن تربط ويكف شرّهَا، وكذا الحال في كل حَيَوانٍ مُولَعٍ بالتَّعَدِّي.

والثاني: لا، سَوَاء أتْلَفَتْ ليلاً، أو نهاراً لأن العادة لم تَجْرِ بِربْطِ السَّنَانِيرِ، وتقييدها، وإن لم يعهد منها ذلك فوجهان:

أشبههما: أنه لا ضَمَانَ،؛ لأن العادة حِفْظُ الطعام عنها لا ربطها.

والثاني: أنه يفرق بين الليل والنهار، كما سَبَقَ في البَهَائِم، وترك الإِمام، وصاحب الكتاب [هذا] (٣) التفصيل والتقسيم، وأَطْلَقَا في ضَمَانِ ما تتلفه الهِرَّةُ أربعة أوجه: النَّفي والإيجَاب المطلقان.


(١) في ز: قدرة.
(٢) في أ: الآخر.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>