للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: يضمن ما أَتْلَفَتْهُ بالليل، دون النَّهَارِ، كما ذكرناه في البَهَائِم؛ لأن أكثر انْتِشَارهَا بالليل لِنَوْمِ الحَفَظَةِ، وغَفْلَتَهِمْ، فينبغي أن يحتاط صاحبها بِرَبْطِهاَ، أو إِغْلاقِ الباب (١) عليها، أو سَدِّ المَنَافِذِ.

والرابع: يضمن ما أَتْلَفَتْهُ بالنهار دون الليل؛ لأن الأشياء تُحْفَظُ عنها ليلاً، فترد الطيور إلى أمَاكِنها المُهَيَّأَةِ لها، وتغطي الأطعمة، فيحال التَّلَفُ على تقصير صاحب المَالِ. وإذا أخذت الهِرَّةُ الحَمَامَةَ، وهي حية جازَ فَتْلُ أذنها والضرب في فيها لِتُرْسِلَها، وإذا قصدت الحَمَامَ، فأهلكت في الدفع، فلا ضَمَانَ، والتي صَارَتْ ضَارِيَةً مفسدة، هل يجوز قَتْلُهَا في حال سكونها؟ فيه وجهان عن القفال:

أحدهما: أنه لا يجوز لأن ضَرَاوَتَهَا عارضة، والتحرز عن شَرِّهَا سَهْلٌ.

وعن القاضي الحُسَيْنِ: أنها تُلْحَقُ بالفَوَاسِقِ الخمسة، فيجوز قتلها ولا يختصّ بحال ظهور الشر، والأول أقْرَبُ.

قال الإِمام: وقد انْتَظَمَ لي من كلام الأصحاب أن الفَوَاسِقَ مَقْتُولات لا يَعْصِمُها الاقْتِنَاءُ، ولا يجري المِلْكُ عليها، ولا أَثَرَ لليد والاختصاص فيها، ولو كان في داره كَلْبٌ عَقُورٌ، أو دابة رَمُوحٌ، فدخلها إنسان، فرمحته، أو عَضَّهُ الكلب، فلا ضمان إن دخل من غَيْرِ إِذْنِ صاحب الدار، وكذا إن دخل بِإِذْنِهِ، وأعلمه حال الكَلْبِ والدابة، وإن لم يعلمه، فقولان كما لو وَضَعَ الطَّعَامَ المَسْمُومَ بين يدي إنسان، فأكله.

ومنهم من خَصَّصَ الخِلاَفَ بما إذًا كان أعْمَى، أو كان في ظُلْمَةٍ، وقطع بنفي الضمان إذا كان بصيرًا يَرَى.

ولو ابْتَلَعَتْ بهيمة في مُرُورِهَا جَوْهَرَةً، ضَمِنَهَا صاحبها إن كان مَعَها، أو وُجِدَ منه تَقْصِيرٌ بأن طرح لؤلؤ غيره بين يدي دَجاجَةٍ، وإلا فوجهان (٢):

أحدهما -وبه قال ابن أبي هُرَيْرَةَ: أنه يفرق بين اللَّيْلِ والنهار، كما في إتلاف الزرع.

والثاني: يضمن ليلاً كان أو نهارًا؛ لأن تَعَرُّضَ الأَنْعَامِ للزرع مألوف، فعلى صاحب الزَّرْعِ أن يَحْتَاطَ له، والتعرض للجوهرة غير مَأْلُوفٍ، وإذا أوجبنا الضَّمَانَ،


(١) في ز: الدار.
(٢) لم يرجح الشيخ شيئًا من الوجهين.
قال في الخادم: قضية كلامه فيما سبق ترجيح عدم الضمان حيث نقلا عن ابن الصباغ أنه أرسل طيراً فكسر شيئًا أو التقط حبًا، فلا ضمان إلى آخر ما ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>