للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فِي سَبِيْلِ اللهِ" وفي حديث متفق عليه، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لغُدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ في سَبِيْلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا" وفي "المُوَطَّأ"، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبيْلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِم القَائِم الدَّائِم الَّذِي لا يَفْتُرُ مِنْ صَلاةٍ وَلاَ صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ" وفيه أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَكَفَّلَ اللهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبيْلِهِ لاَ يُخْرجه مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ الجِهَادُ فِي سَبيْلِهِ وَتَصدِيْقُ كَلِمَاتِه أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهَ الَّذِي خَرَجَ مِنْه مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَو غَنيْمةٍ".
ولمّا كان الجهاد من أفضل الأعمال جازى الله الشهداء في سبيله، لقاء ما بذلوا من حياتهم في طاعته، وهم لا يملكون أعز منها، بأن أحياهم حياة أفضل من حياتهم التي بذلوها ابتغاء مرضاته قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وفي الموطأ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدَهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أُقَاتِلَ فِي سَبيْلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا فأُقتَلُ" فكان أبو هريرة يقول: ثلاثًا أشهد بالله، أي أنه قالها ثلاث مرات. وفيه أيضًا عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبيْلِهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يُنْعَبُ دمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيْحُ رِيْحُ المِسْكِ". والآيات والَأحاديث الواردة في مشروعية الجهاد وبيان فضله ولفت الأنظار إليه والتحبيب فيه، والحث عليه أكثر من أن تحصى فلنكتف بهذا القدر قياماً بواجب الموضوع.
قد يقال: إن أخص أوصاف الرسول محمدٍّ -صلى الله عليه وسلم- صفة الرَّحمة تحلّى بها وامتنّ الله بها عليه، ولا شَكَّ أن في الجهاد سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وتيتيم الأطفال، وترميل النساء، وإتلاف الأموال، وضياع العمران، وهدم المدنيات، وإهلاك الثروات، والنفائس العلمية، والمالية ونقص ما بناه الله، وبالجملة فهو سبب الفساد ومجزرة العباد، فكيف تأتي به شريعةٌ أرسل صاحبها رحمة للعالمين؟
فالجواب: أن قتال الناس بعضهم لبعض سنة بشرية، قضى بها الاجتماع والتنافس والطغيان، ومحبة الاستيلاء وإنفاذ الكلمة والسلطان. عرفته الإنسانية منذ رأى الإنسان أخًا له ينفس عليه ويكيد له، ويغيظه أن ينال ما لا ينال {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
ولقد جاءت الشريعة الإِسلامية، وهي حقيقة أرحم الشرائع -وتضمنت خير الناس وسعادتهم، وليس من الحكمة أن تترك الناس يقتل بعضهم بعضًا لأتفه الأسباب، ولا أن تعمل على اقتلاع شأن قار في الطباع، وإنما الحكمة فيما سلكته في هذا الشأن، وهو أنه أقرت أصل القتال تلبية لداعي الفطرة، ثم تناولته بالتهذيب ووجهته الوجهة الصالحة للمجتمع الإنساني شأنها في كل ما شرعته من أحكام- صَيَّرتْهُ في دائرة هي أضيق الدوائر، وجعلته لغاية هي أسمى الغايات، فحظرت قتال الشّره، والهوى واستعباد النقوس وإذلالها، وجعلته لأعلاء كلمة الله وإعزاز دينه والدفاع عنه وقمع الكفر، والشرك وتمكين دين الله في أرضه، ولدفع الظلم والعدوان ولإخلاء العالم من الشر والفساد قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ =

<<  <  ج: ص:  >  >>