للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأَصْلُ في الكتاب الإجماعُ، وما لا يعد من الآيات والأَخْبارِ؛ كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦]، وقال عَزَّ وَجَلَّ: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: ٤١] وقال -صلى الله عليه وسلم- "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَه إِلاَّ اللهُ" (١) وسُئِل رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ فقال: "الصلاةُ لوقتها، فقِيل: ثم أَيّ؟ قال: بِرُّ الوالِدَيْن، قِيل: ثم أَيّ؟ قال: الجهادُ في سَبِيلِ اللهِ" (٢).

وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَغَدْوَةٌ في سَبِيل الله أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيها" (٣) ولا بُدَّ من معرفة قضية هذه الترغِيبات والأَوَامر، وحال الجهاد، أَهُوَ واجِبٌ على الكفايَةِ، أو على الأعْيان؟ وكيف ما كان؟ فالجهادُ قد يُؤْتى به فيحتاج إلى الوقوف على كيفيته، وأحكامه وقد يقتضي الحالُ تركَه بأمان يعقد؛ فرتب المصنِّفُ -رحمه الله- الكتاب على ثلاثةِ أبوابٍ.

أَحدُها: في وُجُوبِه.

والثانِى: في كَيْفِيَّتِه.

والثالِثُ: فِي تَرْكِهِ بالأَمان.

أمَّا الأول: فقد ذكر الشافِعِيُّ -رضي الله عنه- والأصحابُ في صدره، أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا بُعِث أُمِر بالتبليغ والإِنْذَارِ بلا قتالٍ، واتَّبعه قومٌ بعد قوم، وفرضَتِ الصلاةُ بـ"مكة"، ولما هاجر فُرِضَ الصومُ بعد سنتين من الهجرة، واختلفوا في أنَّ الزكاة فرِضَتْ قبل الصيام أو بعده، وفُرِض الحجُّ سنة سِتٍّ، وقِيل: سنة خَمْس.


= عَلَى العالَمِينَ} وقال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
لهذا شرع الله الجهاد، فلم يكن القصد من مشروعية القتال سوى تمكين النّاس من عبادة الله، واقتلاع عوامل الشر والفساد في الأرض أو تخفيفها، وهذه هي أسمى مقاصد الدين والشرائع السّماوية، فإذا تعين القتال طريقًا لهذه الغاية؛ وَجَبَ في نظر العقل والحكمة اتخاذه طريقًا لها، ولهذا شرع الله القتال وإن تضمن سفك الدماء، وتيتيم الأطفال، فإن الشر القليل في سبيل الخير الكثير خيرٌ كثير.
(١) تقدم في الديات.
(٢) تقدم في التّيمم.
(٣) متفق عليه. البخاري [٢٧٩٤ - ٢٨٩٢ - ٣٢٥٠ - ٦٤١٥] ومسلم [١٨٨١] من حديث سهل بن سعد.
والبخاري [٢٧٩٢ - ٢٧٩٦ - ٦٥٦٨]، مسلم [١٨٨٠] من حديث أنس، ولمسلم عن أبي أيوب الأنصاري [١٨٨٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>