للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عرفْتَ ذلك، فالجهادُ قد يكون فَرْضَ كفايةٍ، وقد يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ (١) فالكلام في القِسْم الأول في طرفَيْن:


= التاسعة: فيها غزا تبوك، وحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس، وتوفيت أم كلثوم والنجاشي، وتتابعت الوفود، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
العاشرة: فيه حجة الوداع، ووفاة إبراهيم، وإسلام جرير، ونزل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وغزواته -صلى الله عليه وسلم- بنفسه خمسة وعشرون غزوة، وقيل: سبع وعشرون، وسراياه ست وخمسون، وقيل غير ذلك.
(١) عرض الفقهاء لحكم الجهاد في الإِسلام فقال ابن حجر ذكر أبو الحسن الماوردي أنه كان فرض عين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- على المهاجرين. ويؤيد هذا وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصرة الإِسلام. وقال السهيلي: كان عَيْناً على الأنصار دون غيرهم. ويؤيده مبايعتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة على أن يروا الرسول، وينصروه. فيخرج من قولهما إنه كان عيناً على الطائفتين كفاية في حق غيرهم. وليس ذلك على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتله أحد من الكفار ابتداء وقيل كان عَيْنًا في الغزوة التي يخرج فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- دون غيرها والتحقيق: أنه كان عينًا على من عينه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو لم يخرج وأم بعده -صلى الله عليه وسلم- فهو فرض كفاية إن كان الكفار مستقرين ببلادهم وفرض عين إن هجموا على بلاد المسلمين.
وهذه التفرقة في الحكم بين زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بعده إنما ذكرها الشافعية في كتبهم. وأما غير الشافعي من الأئمة المجتهدين ووافقهم على ذلك جمهور العلماء فقد ذكروا الحكم مطلقًا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بعده وقالوا إذا لم يكن النَّفِيْرُ عامًا، ولم يهجم الكفار على بلد من بلاد المسلمين فالجهاد فرض كفاية إذا قام به البعض، وحصل المقصود بهم سقط عن الباقين. وإذا تركه الكل أَثِمُوْا جميعًا. واستدلوا على الفرضية بالأوامر القطعية. كقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} {قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} -وعلى الكفاية بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وبقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وأقل ما يفعل مرة في كل عام. قال ابن قدامة في تعليل ذلك. لأن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام وهي بدل عالقة فكذا مبدلها وهو الجهاد. فيجب في كل عام مرة إلا من عذر مثل أن يكون بالمسلمين ضعف في عدد أو عدة أو يكون ينتظر المدد يستعين به أو يكون الطريق إليهم فيها مانع أو ليس فيها علف أو ماء أو يعلم من عدوه حسن الرأي في الإِسلام فيطمع في إسلامهم أو أخر قتالهم ونحو ذلك مما يرى المصلحة معه في ترك القتال فيجوز تركه بهدنة. فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد صالح قريشاً عشر سنين وأخر قتالهم حتى نقضوا عهده. وأَخر قتال قبائل من العرب بغير هدنة: وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة وجب ذلك لأنه فرض كفاية فوجب منه ما دعت الحاجة إليه وقد خالف في الفرضية ابن شبرمة والإمام الثوري وقالو: إن القتال غير واجب ولا يصح قتال الكفار حتى يبدؤونا لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} وقوله جل شأنه {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} وهكذا روي عن ابن عمر رضي الله عنهما وسئل عطاء وعمرو بن دينار أن الغزو =

<<  <  ج: ص:  >  >>