للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما: في وجُوبِهِ.

والثَّانِي: في الأَعْذَارِ المسقِطَةِ له، وهما جميعًا محفوظان بالكلام في غير الجهادِ من فُرُوضِ الكفايات، أمَّا الوجُوبُ: فاختلَفُوا في أنَّ الجهادَ في عَهْدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كان فَرْضَ عَيْنٍ، أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ، على وجهين:

أحدُهما: أنه كان فَرْضَ عَيْنٍ؛ لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: ٤١] وقوله تعالى: {إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩].

ومَنْ قال به، قال: مَنْ لَمْ يَخْرُجْ كان يحرس المدينة وكانت ثَغْرَ الإِسلام، وحِرَاسَتُها نوع من الجهاد، وأظهرُهما أنها كانت فَرْضاً على الكِفَايَةِ، واحتجَّ له بقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} إلى قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ


= واجب قالا. ما علمناه واجبًا. "وسنعرض لهذا بتوسعة في أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم. ان شاء الله".
وخالف في الكفاية ابن المسيب، وقال: إنه فرض عين في الأحوال كلها. لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ" ولكن النصوص الصريحة تبطل هذا القول. وعمل الرسول عليه السلام يدحضه فإنه لو كان فرض عين في الأحوال كلها لما وعد الله القاعدين بالحسنى في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية ولما قعد عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، واكتفى ببعث السرايا ولا أذن غيره بالتخلف ولأن فرضية القتال لمقصود إعزاز الدين، وقهر المشركين فإذا حصل هذا المقصود بالبعض سقط عن الباقين. ولأن في جعله فرض عين حرجًا عظيمًا حيث تعطل أمور الناس من زراعة، وتجارة إذا خرجوا جميعًا للجهاد. والحرج متتف. "مَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ".
ويكون الجهاد فرض عين بلا خلاف بين الفقهاء.
إذا هجم العدو على بلد من بلاد المسلمين فيتعين على كل واحد من آحادهم ممن هو قادر عليه. لأن الوجوب على الكل ثابت بالنصوص. وسقوطه عن البعض بحصول المقصود بالبعض الآخر. فإذا لم يتحقق الدفع إلا بالكل يبقى فرضاً عينياً عليهم جميعًا كالصلاة والصوم ...
إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان فيحرم على من حضر الانصراف، ويتعين عليه المقام إلا متحرفاً لقتال أو متميزًا إلى فئة، وما دام الكفار لم يزيدوا على ضعف عدد المسلمين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال جل شأنه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
إذا استنفرهم الإمام لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوْا".

<<  <  ج: ص:  >  >>