للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ابتدائِهم بالقتال الاسْتِئْصَالُ، أو لعذرٍ بأن يعز الزَّاد وعلف الدوابِّ في الطريق، فيؤخر إلى إدراك الغلاَّتِ، أو ينتظر لحوقُ مَدَدٍ، أو يتوقَّعُ إسلامُ قومٍ فيستحيلهم بترك القِتَالِ، ووجَّه الأصحابُ القول بأنه لا تخلو السنةُ عن الجهاد مرّةً واحدة؛ لفعْلِ رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فإنَّهُ رُوِيَ أَنَّ غَزْوَةَ (١) بَدْرٍ كانت في السنة الثانِيَةِ من الهجرة، وكانت


(١) في الثامن من رمضان سنة اثنتين من الهجرة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه يعترض عيراً لقريش، (وهي العير التي فاتتهم في غزوة العشيرة، وكان رئيس هذه القافلة أبو سفيان بن حرب يخشى أن يعترض المسلمون في أوبته، كم اعترضوه في خروجه فلما دنا من الحجاز جعل يتجسس الأخبار فَعَلِمَ بخروج النبي -صلى الله عليه وسلم- لاعتراضه القافلة فأرسل إلى قريش "ضمضم بن عمرو الغفاري" يستنفرها لحماية تجارتها، فذهب الغفاري وأخبرهم الخبر فتجهز الناس سراعاً وقالوا: "يظن محمد وأصحابه أن تكون كثير ابن الحضرمي؟ كلا -والله ليعلمن غير ذلك" فكانوا بين رجلين إما خارج، وإما باعث مكانَهُ رجلاً.
وخرجوا وعدتهم نحو ألف مقاتل، وسلكوا طريق بدر للقاء المسلمين، فلما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد نزوله بوادي ذفران بأن قريشًا خرجت لتمنع عيرها. استشار أصحابه فيما يفعل فأشاروا عليه -على لسان خطباء المهاجرين- أبي بكر وعمر، والمقداد بن عمرو، وخطيب الأنصار سعد بن معاذ بلقاء قريش .... وشعر أبو سفيان بالخطر حينما اقترب من بدر فعدل عن طريق القوافل المعتاد إلى طريق البحر ونجا بالعير، وكانت قريش إذ ذاك بالجحفة فأرسل إليهم أبو سفيان -إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم، ورجالكم، وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا- فاختلفت كلمة القرشيين. فرأى أبو جهل المضي إلى المسلمين وصاح في الناس "والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم عليها ثلاثًا ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدًا بعدها فامضوا" ورأى الأخنس بن شريق -وكان حليفًا لبني زهرة- الرجوع إلى مكة حيث نجا الله العير، واقتنعت بذلك حلفاؤه، فلم يشهد بدر أزهري ولكن كفة أبي جهل رجحت.
والتقى الجيشان في صبيحة الجمعة سبعة عشر من رمضان. وقبل نشوب القتال سعى حكيم بن حزام إلى منع الحرب فقد ذهب إلى عتبة بن ربيعة، وطلب إليه أن يتحمل دم حليفه عمرو بن الحضرمي فقبل وقام في أصحابه -وهو من كبار الأمويين- يخطبهم ويأمرهم بالرجوع؛ ولكن أبا جهل حينما بلغته مقالة عتبة أخذته العزة بالإثم وقال: "والله -لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين".
وبعث إلى عامر بن الحضرمي وذكره مصرع أخيه الذي قتل في سرية عبد الله بن جحش فصاح عامر "واعمراه واعمراه" فحميت النفوس إلى الحرب واندفع الأسود بن عبد الأسد المخزومي إلى صفوف المسلمين يريد أن يهدم حوضهم فقتله حمزة بن عبد المطلب.
ثم خرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد، ودعا إلى المبارزة فأسرع فتية من الأنصار للقائهم فقالوا ما لنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم "يا محمد. أخرج إلينا اكفاءنا من قومنا فأخرج إليهم الوصول صلوات الله وسلامه -حمزة وعلياً وعبيدة فقتلوا عتبة ومن معه.
ثم تزاحف الناس وتدانوا وما هي إلا فترة حتى انجلت الموقعة عن هزيمة المشركين الباغين، ونصرة المسلمين نصراً مبينًا. =

<<  <  ج: ص:  >  >>