للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبُوكٍ (١) في التاسعة (٢)، وأيضًا فإن الجزْيَةَ تُؤْخَذُ للكفِّ عن القتال، وإنما تُؤْخَذُ الجزيةُ


(١) غزوة تبوك: في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة -لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حصار الطائف إلى المدينة بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد حشدوا له جمعًا كثيرًا يريدون غزوه في عقر داره فأراد أن يلاقيهم على حدود بلادهم قبل أن يغشوه على غرة فسار بجيشه حتى وصل تبوك. وكانت الروم قد بلغها أمر هذا الجيش وقوته فآثرت الانسحاب بجيشها لتتحصن في داخل بلاد الشام فرأى النبي عليه الصلاة والسلام أن من الحكمة ألا تتبعهم داخل بلادهم فلم يتبعهم. وهناك جاءه يوحنا بن رؤبة فصالحه على الجزية كما صالحه أهل جرباء وأهل أذرح من بلاد الشام -وأرسل رسول الله خالد بن الوليد إلى كيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل فأتى به خالد أسيراً بعد أن قتل أخاه فحقن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دمه، وصالحه على الجزية وأخلى سبيله. وأقام بضع عشرة ليلة لم يقدم عليه الروم، ولا العرب المتنصرة فعاد إلى المدينة ولما بلغ ملك الروم ما فعله يوحنا أمر بقتله، وصلبه عند قريته.
لم يكن من المعقول بعد ذلك أن يتهاون المسلمون فيما أصابهم من قتل رسولهم وأبطالهم ومُعَاهَدِهم الذي أمنوه على نفسه، وماله بأخذ الجزية، ,وإعطاء العهد كما أنه لم يكن معقولاً أن الروم. بعد أن رأوا حضور المسلمين للقصاص يكفون عن مناجزتهم والإيقاع بهم أينما وجدوا لذلك سبيلاً.
لهذا عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته إلى تجهيز جيش آخر تحت إمرة أسامة بن زيد. ولكن لم يكد يتم أمره حتى قبض الرسول صلوات الله عليه وانتقل إلى الرفيق الأعلى، وتولى أمر المسلمين بعده صاحبه أبو بكر فارتأى -رضي الله عنه- أن الحزم في إنفاذ هذا الجيش حتى لا يطمع في الإِسلام أعداؤه ويتألب عليه خصومه، وتوالت بعد ذلك حروب الروم حتى فتح المسلمون بلادهم في عهد أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- بعد نضال عنيف، وحروب كثيرة.
(٢) قال الحافظ: متفق عليه بين أهل السير: ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأبو الأسود وغيرهم، واتفقوا على أنها كانت في رمضان، قال ابن عساكر: والمحفوظ أنها كانت يوم الجمعة، وروي أنها كانت يوم الاثنين، وهو شاذ، ثم الجمهور على أنها كانت سابع عشرة، وقيل ثاني عشرة، وجمع بينهما بأن الثاني ابتداء الخروج، والسابع عشر يوم الوقعة، وأما غزوة أحد في الثالثة، فمتفق عليه أيضًا، وأنها كانت في شوال، لكن عند ابن سعد كانت لسبع خلون منه، وعند ابن عائذ لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وأما غزوة ذات الرقاع: فهو قول الأكثر، وبه جزم ابن الجوزي في التلقيح، وقال النووي: الأصح أنها كانت في أول المحرم سنة خمس. قلت: فيجمع بينهما أن الخروج إليها كان في أواخر الرابعة، والانتهاء في أول المحرم، لكن عند ابن إسحاق أنها كانت في جمادى سنة أربع.
(تنبيه) قيل: كان غزوة ذات الرقاع وقعت مرتين، الأولى هذه، وفيها صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف كما تقدم، والثانية بعد خيبر، وشهدها أبو موسى الأشعري.
كما ثبت في الصحيحين، وسميت الأولى ذات الرقاع بجبل صغير، والثانية كما قال أبو موسى بالرقاع التي لفوا بها أرجلهم من الحفاء، ولهذا يرتفع الإشكال الذي أشار إليه البخاري، وأحوجه إلى أن يقول: إن ذات الرقاع كانت سنة سبع، وأما غزوة الخندق: فبهذا جزم ابن الجوزي في التلقيح، وعند ابن إسحاق كانت في شوال سنة خمس، وعند ابن سعد: في ذي القعدة، والأصح أنها كانت في سنة أربع، وبه جزم موسى بن عقبة وأبو عبيد في كتاب الأموال، واحتج له النووي =

<<  <  ج: ص:  >  >>