لم يكن من المعقول بعد ذلك أن يتهاون المسلمون فيما أصابهم من قتل رسولهم وأبطالهم ومُعَاهَدِهم الذي أمنوه على نفسه، وماله بأخذ الجزية، ,وإعطاء العهد كما أنه لم يكن معقولاً أن الروم. بعد أن رأوا حضور المسلمين للقصاص يكفون عن مناجزتهم والإيقاع بهم أينما وجدوا لذلك سبيلاً. لهذا عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته إلى تجهيز جيش آخر تحت إمرة أسامة بن زيد. ولكن لم يكد يتم أمره حتى قبض الرسول صلوات الله عليه وانتقل إلى الرفيق الأعلى، وتولى أمر المسلمين بعده صاحبه أبو بكر فارتأى -رضي الله عنه- أن الحزم في إنفاذ هذا الجيش حتى لا يطمع في الإِسلام أعداؤه ويتألب عليه خصومه، وتوالت بعد ذلك حروب الروم حتى فتح المسلمون بلادهم في عهد أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- بعد نضال عنيف، وحروب كثيرة. (٢) قال الحافظ: متفق عليه بين أهل السير: ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأبو الأسود وغيرهم، واتفقوا على أنها كانت في رمضان، قال ابن عساكر: والمحفوظ أنها كانت يوم الجمعة، وروي أنها كانت يوم الاثنين، وهو شاذ، ثم الجمهور على أنها كانت سابع عشرة، وقيل ثاني عشرة، وجمع بينهما بأن الثاني ابتداء الخروج، والسابع عشر يوم الوقعة، وأما غزوة أحد في الثالثة، فمتفق عليه أيضًا، وأنها كانت في شوال، لكن عند ابن سعد كانت لسبع خلون منه، وعند ابن عائذ لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وأما غزوة ذات الرقاع: فهو قول الأكثر، وبه جزم ابن الجوزي في التلقيح، وقال النووي: الأصح أنها كانت في أول المحرم سنة خمس. قلت: فيجمع بينهما أن الخروج إليها كان في أواخر الرابعة، والانتهاء في أول المحرم، لكن عند ابن إسحاق أنها كانت في جمادى سنة أربع. (تنبيه) قيل: كان غزوة ذات الرقاع وقعت مرتين، الأولى هذه، وفيها صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف كما تقدم، والثانية بعد خيبر، وشهدها أبو موسى الأشعري. كما ثبت في الصحيحين، وسميت الأولى ذات الرقاع بجبل صغير، والثانية كما قال أبو موسى بالرقاع التي لفوا بها أرجلهم من الحفاء، ولهذا يرتفع الإشكال الذي أشار إليه البخاري، وأحوجه إلى أن يقول: إن ذات الرقاع كانت سنة سبع، وأما غزوة الخندق: فبهذا جزم ابن الجوزي في التلقيح، وعند ابن إسحاق كانت في شوال سنة خمس، وعند ابن سعد: في ذي القعدة، والأصح أنها كانت في سنة أربع، وبه جزم موسى بن عقبة وأبو عبيد في كتاب الأموال، واحتج له النووي =