للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السنة مرة واحدة، وأيضًا فإنَّ سَهْمَ الغزاة يُؤْخذ في كل سنة مرة، ولا بد من غَزْوةٍ واحدة، هذا ما نصَّ عليه الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- وجرى عليه الأصحابُ.

وقال الإمامُ: المختارُ عندي في هذا مسالِكُ الأُصُولِيِّين، فإنهم قالوا: الجهادُ دعوةٌ قَهْرية، فيجب إقامته على حسب الإِمْكَان، حتى لا يَبْقَى إلا مُسْلمٌ أو مسالم، ولا يختص بالمرة الواحدة في السنة، وإذا أمكَنت الزيادةُ لا يعطَّلُ القرض، وما ذكره الفقهاءُ حملوه على العادَةِ الغالبة، وهي أنَّ الأموالَ والعُدَدَ لا توافي لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرَّة واحدة، وإذا اصْطَلَى الرجالُ بنار القتال، ونالوا من العدُوِّ ونيل منهم، لم يَعُودوا إلى الاسْتِعْدادِ التام ولا دوابهم إلا في مدة السنة، ثم إن تمكّن الإمامُ منْ بثِّ الأجناد للجهاد في جميع أَطْراف الكفار -فعلَهُ، وإلاَّ يَبْدَأ بالأَهَمِّ فالأهم، وينبغي للإمام أنْ يُرَاعي النَّصَفَةَ بالمُنَاوبة، فلا يتحامَلُ على طائفةٍ [بتكرير] (١) الأغزاء مع ترْوِيح الآخرين، وتركهِم في الدَّعَةِ.


= بحديث ابن عمر: عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني، قال: وقد أجمعوا على أن أحدًا في الثالثة، قلت: ولا حجة فيه: لأن أحدًا كانت في شوال، فيحمل على أنه كان في أحد طعن في الرابعة عشر، وفي الخندق استكمل الخامسة عشر، فلعله كان في أحد في نصف الرابعة عشر مثلاً، فلا يستكمل خمس عشرة إلا أثناء سنة خمس، إلا أنه يعكر على هذا الجمع ما جزموا به من أنها كانت أيضًا في شوال.
قال الحافظ: (تنبيه) صحح الحافظ شرف الدين الدمياطي: أن غزوة المرَيسيع كانت في سنة خمس، وأما ابن دحية فصحح أنها كانت في سنة ست، وأما غزوة بني النضير فتبع فيه إمام الحرمين وهو غلط، ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير أنها كانت بعد بدر بستة أشهر، وعن ابن شهاب أنها كانت في المحرم سنة ثلاث، وبه جزم ابن الجوزي في التلقيح، والنووي في الروضة وغيرها، وقال الماوردي: كانت في ربيع الأول سنة أربع وهذا قول ابن إسحاق.
قال الحافظ: (فائدة) كانت الحديبية في سنة ست بلا خلاف، وأما غزوة خيبر في السابعة، فهو المشهور الذي عليه الجمهور من أهل المغازي، ونقل ابن الطلاع عن ابن هشام أنها في سنة ست، وهو نقل شاذ، وإنما ذكر ابن إسحاق ومن تبعه أنها كانت في بقية المحرم سنة سبع، وأمام فتح مكة فمتفق عليه وأنه كان في رمضان سنة ثمان، وأما غزوة تبوك فمتفق عليه بين أهل المغازي، وكان في رجب، وخالف الزمخشري فذكر في الكشاف في سورة براءة أنها كانت في العاشرة.
قال الحافظ: (تنبيه) هذا الذي ذكره المصنف يوهم أن هذا جميع ما غزاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس كذلك، فإنه غزا -صلى الله عليه وسلم- بنفسه غزوات أخرى، لكن غالبها لم يقع فيه قتال، فمما قاتل فيه بني قريظة، وحنين، والطائف، ومما لم يقاتل فيه بني غطفان، وقرقرة الكدر، وبني لحيان، وبدراً بموعد، ودومة الجندل، وغير ذلك.
(١) في ز: يتحزبوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>