للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الكتاب: "عَلَى الْكِفَايَةِ"، يجوزُ أن يعلم بالواو إشارة إلى قول مَنْ قال: إِنَّه في عَصْرِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضَ عين وكذا قولُه: مرَّةً واحدة بالواو؛ لما ذكره الإِمام -رحمه الله- وقوله: "فِي أَهَمِّ الْجِهَاتِ"، يَعْني إذا لم يمكن بعثُ الأَجْنادِ في جميع الجهات.

قال الغَزَالِيُّ: وَفُرُوضُ الكِفَايَاتِ كْثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي مَواضِعِهَا* وَهُوَ كُلُّ مُهِمٍّ دِينِيٍّ يُرِيدُ الشَّرْعُ حُصُولَهُ وَلاَ يَقْصِدُ بِهِ عَيْنَ مَنْ يَتَوَلاَّهُ* وَمِنْ جُمْلَتِهِ إِقَامَةُ الحُجَّةِ الْعِلمِيَّةِ* والأَمْرُ بِالمَعْروفِ* وَالصِّنَاعاتُ المُهمَّةُ* وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ المُسْلِمينَ* وَالقَضَاءُ* وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ* وَتَجْهِيزُ المَوْتَى* وَإحْيَاءُ الكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالحَجِّ فَإنْ تَرَكَ ذَلِكَ حُرِّجَ بِهِ كُلُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيعْلَمُهُ أَوْ لاَ يعْلَمُ وَلَكِنْ قَصَّرَ فِي البَحْثِ عَنْهُ.

قال الرَّافِعِيُّ: اطردت عادةُ الأصْحَابِ بذكر جمل من فُرُوضِ الكفايات في هذا الكتاب، وعلى ذلك جرى المُصَنِّفَ إلاَّ أنه فرق ما يتعلَّقُ بها، فمنه ما أورده في هذا الموضع [ومنه ما أورده في آخر هذا الباب الأول،] (١) ومنه ما ذكره في خلال مَسَائِل بَينَهما، ولو جمع بينهما في موضع واحدٍ، ولم يُبَدِّدْها -كان أَحْسَنَ.

وقوله: "فُرُوضُ الكِفَايَاتِ كثيرةٌ مَذْكُورةٌ في مَوَاضِعَ" أراد به أنها مُتَيَسِّرةٌ تورد في أبوابِهَا، كتجهيز الموْتَى بالغَسْل والتَّكْفِين والدَّفْنِ، وكالأذَان، وصلاةِ الجماعة، وصَلاَةِ العِيدَيْنِ، على رَأْيٍ في افْتِراضهما.

وقولُه: "وهُوَ كُلُّ مُهِمٍّ دِينِيٍّ يُرِيدُ الشَّرْعُ حُصُولَهُ، ولا يقصد به عَيْنَ من يتولاَّهُ"؛ إشارةٌ إلى حَقِيقَةِ فَرْضِ الكِفَايَةِ، ومعناه: أنَّ فُرُوضَ الكفاياتِ أمورٌ كُلِّيةٌ تتعلَّق بها مَصَالِحُ دِينيَّةٍ ودُنْيوية، لا ينتظم الأمْرُ إلاَّ بحُصُولها، فقصد الشارع تحصيلها، ولا يقصد تكْلِيفَ الوَاحِد فالواحد وامتحانه بها، بخلاف فُرُوض الأعْيان فإنَّ الكُلُّ مكلَّفُون بتحصيلها.

وفروضُ الكفاياتِ أقسامٌ: منها ما يتعلق [بأصْلِ الدِّينِ، وهو إقامة الْحُجَّةِ العِلْمِيَّةِ، ومعناه أنه كما لا بد من إقامة الحُجة القَهرْية بالسَّيْف، لا بُدَّ في خُطَّةِ الإِسلام ممن يُقِيمُ البراهِينَ والحجج، ويدفع الشُّبْهاتِ، ويحل المُشْكِلات، ومنها ما يتعلق] (٢) بفُروعِ الدِّين، ومنه إشاعةُ الأَمْرِ بالمعروفِ، والنَّهْي عن المنكر، والمرادُ مِنْهُ الأمرُ بِوَاجِبَاتِ الشرع، والنَّهْيُ من مُحَرَّمَاتِهِ، وهو من فُرُوضِ الكفاياتِ، فإن نُصِّبَ لذلك رجلٌ تَعيَّنَ عليه بحكم الوِلاَيَةِ، وهو المحتسب، وأَحْسَنَ أَقْضَى القُضَاةِ المَاوَردِيّ ترْتِيبَ الأمر بالمعرُوفِ -وتَقْسِيمَهُ، فجعله على ثلاثة أَضْربٍ:

أحدُها: [ما يتعلق بحقوق الله تعالى، وهو ضربان:


(١) سقط من: أ.
(٢) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>