للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الحجاج فمن وجهين:

أحدهما: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في آخر خبر أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ" أي: من وراء العلامات المذكورة، ومنها الخط.

والثاني: أن المقصود من أمر المصلي بنصب السترة وغيرها أن يظهر حريم صلاته، ليضطرب فيه في حركاته وانتقالاته، ولا يزحمه غيره ويشغله عن صلاته.

وأما الثاني: فلو أنهما أرادا إحالة وجدان الشاخص لسويا بينه وبين بسط المصلى، كما أن الدين قالوا باستحباب الخط عند فقدان الشَّاخِصِ سووا بينه وبين بسط المصلى، ذكره صاحب "التهذيب" وغيره، ولم يفعلا ذلك، بل ألحقا بسط المصلي بنصب الخشبة، ويدل عليه ظاهر لفظ الكتاب في موضعين من الفصل، وبالجملة فليس في لفظه هاهنا، ولا في "الوسيط" ما يشعر بهذا التأويل، بل فيه ما يدل على أنه لا عبرة بالخط بحال.

وقوله: (فإن لم ينصب المصلي بين يديه خشبة، أو لم يستقبل جداراً، أو علامة) عني بالعلامة بسط المصلى، وقضية ما سبق نقله حمل، أو في قوله: (أو علامة) على الترتيب، وكذا في قوله: أو مصلى ظاهر دون التخيير والتسوية.

وأما قوله: (وإذا لم يجد المار سبيلاً سواه، فلا يدفع بحال)، فقد ذكره إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أيضاً.

وقال: النهي عن المرور، والدفع إذا وجد سواه سبيلاً أما إذا لم يجد، وازدحم الناس فلا نهي عن المرور، ولا يشرع الدفع، وهذا فيه إشكال؛ لأن البخاري روى في "الصحيح" عن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- في يوم جمعة يصلي إلى سترة، فأراد شاب أن يمر بين يديه فدفع أبو سعيد -رضي الله عنه- في صدره، فنظر الشَّابُ فَلَمْ يَجِد مَسَاغًا إِلاَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فعاد ليجتاز، ودفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فلما عوتب في ذلك روى الحديث الذي قدمناه (١).

وأكثر الكتب ساكتة عن تقييد المنع بما إذا وجد سواه سبيلاً (٢) -والله أعلم-.


(١) تقدم.
(٢) قال النووي: الصواب أنه لا فرق بين وجود السبيل وعدمه، فحديث البخاري صريح في المنع، ولم يرد شيء يخالفه ولا في كتب المذهب لغير الإمام ما يخالفه. وقال أصحابنا: ولا تبطل الصلاة بمرور شيء بين يدي المصلي، سواء مر رجل أو امرأة أو كلب، أو حمار، أو غير ذلك. وإذا صلى إلى سترة فالسنة أن يجعلها مقابلة ليمينه أو شماله، ولا يصمد لها. الروضة (١/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>