للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهَلاَكِ، وإذا استناب المدين مَنْ يَقْضِي الدينَ مِنْ مالٍ حاضر فله الخروجُ؛ لأن رَبَّ الدَّيْنِ يصل إلى حقه في الحال، وإِنْ أمره بالقضاءِ مِنْ مالٍ غائب، لم يجز الخروجُ؛ لأنه قد لا يَصِلُ، هكذا فصَّلَ صاحبُ التَّهْذِيبِ.

ويجوزُ أَنْ يخرجَ مما سنذكرُ في المؤجَّل إذا خلَّف وفاءً أنه لا يجوزُ الخروج بغير إِذْنه بحالٍ، ومَهْما أذِنَ ربُّ الدين فله الخروجُ، وهل يلتحق بأصحاب فروض الكفَايَاتِ؟ قال الإمامُ: فيه احتمالٌ، والظاهرُ الالتحاقُ، وإن كان الدين مُؤَجلاً -فله الخروجُ إلى الأَسْفَارِ التي لا يغلب الخطرُ فيها على ما سبق في "التَّفْلِيسِ" وأما في سَفَرِ الجهاد فالترتيبُ المحمود عن الإِمام وأَبِي الفَرَجِ السَّرْخَسِيِّ أنه إنْ خلف وفاءً فله الخروجُ، وليس لِرَبِّ الدَّيْنِ منعه، وإلاَّ فوجهان:

أَحدُهما: أن له المنعَ؛ لأن هذا السفَرَ مخاطر فيبني على مصادفة الموت وفيه ضياعُ حَقِّ المُستحق.

والثاني: أنه لا مَنْعَ له، كما في سَائِرِ الأَسْفار؛ لأنه لا مُطَالبَة في الحال وفي "التَّهْذِيب" طريقة أُخْرَى، وهي أنه إنْ لم يخلف وفاءً فليس له الخروجُ إلاَّ بإذْنِ رَبِّ الدين وِإنْ خلَّف -فوجهانِ؛ لأنه قد يتلف ولا يصل إِلَى رَبِّ الدَّين.

ومنهم مَنْ طرد الوجهْينِ في الحالَتَيْنِ، ومنهم من خَصَّصَ الخلاف بغير المرْتَزَقَةِ، وجوَّزَ لمن هو مِنَ المرتزقة الخُروجَ، لأن اسمه مكتوبٌ في الدِّيوانِ، ولا بُدَّ له من الخروج إذا استُنْفِر، وقد يكون وجهُ مَعِيشته، وقَضاءِ دينه من الرزْقِ الذي يأخذه، أو من الغنائم المغنُومةِ من الجهاد، ويخرج مِنْ هذه الطرق عند الاختصار أربعة أوجه ذكرنَاهَا في "التَّفْلِيس".

أَظْهرها: عند الإِمام في جَمَاعةٍ أنه لا منع لرَبِّ الدين بحالٍ، وهذا يُوافِقُ ما أطلقه صاحِبُ الكتاب حيثُ قال: "وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ مَنْعُهُ"، وقد أُغْفِل هذا الوجه هاهنا.

والثاني: له المنعُ مُطْلقاً، إلا أن يُؤَدِّي الدين، وأقيم مقام الأداء ما إذا أقام كَفِيلاً على ما ذكرناه في "التفليس". وادَّعَى الرّويَانِي أن هذا أَصَحُّ.

والثَّالِثُ: الفرقُ بين أَنْ يخلِّفَ وفاءً أَوْ لا يخلِّف، والواقِعُ الفرق بين المرتزقَةِ وغيرهم، وفي كتاب القَاضِي ابن كج: أَنَّه إن كان الأخذ يَدُوم إلى أن يَرْجِع فلا مَنْعَ، وإن كان يحل قبل أنْ يَرْجِع، ففيه الخلافُ فيخرج من هذا وَجْهٌ خَامِسٌ، وقد مر في "التفليس" أن ركوب البَحْرِ كسفر الجِهَادِ؛ لخطرِهِ، وكذلك أَوْرَدَ القاضي ابن كج لخطره، وفي "تَتِمَّةِ التَّتِمَّةِ": أنه لا يُلْحَقُ بسفر الجهاد؛ لأن راكِبَ البحر يسعى في السَّلاَمَةِ، والغِازِي قد يُعَرِّضُ نفسَهُ للشهادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>