للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتفرغ لهما، ولا يجد ما ينفقه فيهما، وقد روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبايع الأحرار على الإِسلام والجهاد، والعبيد على الإِسلام دون الجهاد (١).

فإنْ أمره سَيِّدُه بذلك، قال الإمامُ: والوجهُ أنه لا يلزمُه طاعتُه؛ لأنه لَيْس مِنْ أَهْل هذا الشأن، والملْكُ لا يقتضي التعرُّضَ للهلاكِ، وليس القتالُ من الاسْتِخْدَامِ المستحق للسيد على العبد، ولا يجوز أن يكون في هذا خِلاَفٌ، ولا يلزمُه الذَّبُّ عن سَيِّده عند الخوف على رُوحِه.

إِذْ لم نُوجِب الدَّفْعَ عَنِ الغير، بَلِ السَّيدُ في ذلك كالأجانِب، وللسيِّد اسْتِصْحَابُه فِي سَفَرِ الجهادِ، وَغَيْره؛ ليخدمه، وَيسُوسُ دوابَّه، كما في الحَضَرِ.

وقولُه في الكتاب: "وَلَيْسَ عَلَيْه الذَّبُّ عَنْ سَيِّدِه"، ينبغي أن يُعْلم بالواو فإنه جوابٌ على أن الذبُّ (٢) عن الغير لا يجب، والمُكَاتِبُ والمدبِّرُ، ومَنْ بعضه رقيق كالقِنّ.

الثاني: الدَّين، ومَنْ عليه دَيْنُ مالٍ لمسلم أو ذِمّي، ليس له أن يخرج في سَفَرِ الجهاد أو غيره، إلاَّ أن يَأْذَن رَبُّ الدَّين، وله أن يمنعَهُ منه لتوجه المُطَالبةِ عليه، والحبْس، وكيف يجوزُ أن يترك الفَرْضَ المتعين عليه، ويشْتغِلَ بفرض الكفاية؟ وإن كان معسراً، فقد ذكر القاضِي ابن كَجٍّ: أَنَّ المذهَبَ أنه ليس له مَنْعُه؛ لأنه لا مُطَالبةَ عليه في الحال (٣)، وأَنَّ أبَا إسْحاقٍ قال: له المنعُ؛ لأنه يرجو أن يُوسِرَ فيؤدي وفي الجهاد خطر


(١) النسائي [٧/ ١٥٠ و ٢٩٢ - ٢٩٣] من حديث جابر: أن عبدًا قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعه على الجهاد والإسلام، فقدم صاحبه فأخبره أنه مملوك، فاشتراه -صلى الله عليه وسلم- منه بعبدين، فكان بعد ذلك إذا أتاه من لا يعرفه ليبايعه، سأله أحر هو أم عبد، فإن قال حر بايعه على الإِسلام والجهاد، وإن قال مملوك بايعه على الإِسلام دون الجهاد، وأصله في صحيح مسلم [١٦٠٢]، وعن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في بعض مغازيه مر بأناس من مزينة، فأتبعه عبد لامرأة منهم، فلما كان في بعض الطريق سلم عليه، فقال: فلان، قال: نعم، قال: ما شأنك؟ قال: أجاهد معك، قال: أذنت لك سيدتك، قال: لا، قال: ارجع إليها، فإن مثلك مثل عبد لا يصلي، إن مت قبل أن ترجع إليها، اقرأ عليها السلام، فرجع إليها فأخبرها الخبر، فقالت: آلله هو أمرك أن تقرأ على السلام، قال: نعم، قالت: ارجع فجاهد معه، أخرجه الحاكم.
(٢) في أ: الدفع.
(٣) قال في الخادم: ما ذكره من أن له منعه مخالف لما ذكره في كتاب التفليس من أن صاحب الدين إذا أراد منعه من السفر مطلقًا، رفعه إلى الحاكم وطالبه به ويحبسه وهو يدل على أنه ليس له الصنع بدون ذلك وأنه بسبيل من السفر قبل ذلك وهذا صحيح إذا قلنا إن المديون لا يلزمه أداء الدين إلا بالمطالبة وفيه احتمالان للإمام، قال الرافعي لم يرجح شيئًا بل قضية كلامه في الشرح الصغير والمحرر ترجيح المنع، وكذا قضية كلام الروضة في التفليس ونقل ابن الرفعة في الكفاية عن الأصحاب وفي المطلب عن الماوردي وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>