نَعَم مَنْ لا أهْل له ولا عَشِيرة، ففي اشتِرَاطِ نفقة الإياب في حقِّه خلاف [قد] سبق في الحجِّ، فإن كان القِتَالُ على باب البَلَدِ أوْ حَوالَيْهِ سقط اعتبار نفقة الطريق، قاله في المهذّب. ويشترطُ وجدان الرَّاحِلَة، إِنْ كان على مسافة القَصْر؛ قال الله تعالى:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}[التوبة: ٩٢] الآية وإِنْ كان ما دُونَ مسافَةِ القَصْر -لم تُعْتَبرِ القدرةُ على الراحلة، كما سبق في الحج.
ويجبُ أن يكونَ جميعُ ذلك فاضِلاً عن نفقة مَنْ تلزمُه نفقته، وسائِرُ ما ذكرْنَا في سفر الحج، وكل عُذْرٍ يمنعُ وجوبَ الحج يمنع وُجُوبَ الجهاد، إلاَّ أن هُنَاكَ يُشْترط أَمْنُ الطريق، وهاهنا لا يُشْتَرطُ؛ لأَنَّ الغزْوَ مبني على مُصَادفة المخاوف هذا إذا كان الخوفُ من طلائع الكُفَّارِ، وإن كان مِنْ مُتَلصّصِي المسلمين ففيه وجهان مَذْكُوران في "النهاية".
أَحدُهما: أنه يمتنع الوجوبُ كما في الحج، واصَحُّهما -وهو المذكور في الكِتَاب، أنه لا يمنعُ؛ لأن الخَوْفَ محتمل في هذا السفر، وقِتَالُ المُتَلصِّص أَهَمُّ وأَوْلَى، وإذا بذل للفاقد ما يَحْتَاجُ إليه، لم يلزمه قبولُه إِلاَّ أن يبذل الإمامُ، فعلَيْه أنَ يقبَل ويُجَاهِدَ؛ لأن ما يأخذه من الإِمام حَقُّه.
قال الإِمامُ: والذي لا يُخَاطَبُ بمجاهدةِ الكفار فإنه بذل الجِزْيَة ليذب عنه، لا ليذب عَنَّا، إنما يكون الشَّخْصُ من أَهْل الكفاية في الجهاد، إذا كان: بَالِغاً، عاقلاً حرًّا، مسْلماً، ذَكَراً.