للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ، فقد مَرَّ هناك أن لهما المنعَ منه.

ومِنْها: السَّفَرُ لطلب العِلْمِ، فإنْ كان يَطْلُب ما هو مُتَعَيَّنٌ عليه، فليس لهما المنعُ، ولا يجبُ عليه الاستِئذانُ لسفر الحج وبل أولى؛ لأن الحجَّ على التَّرَاخِي، وإن كان فَرْضُ كفايةٍ، بأن كان خَرَجَ طالِباً لدرجة الفَتْوَى، وفي الناحية مَنْ يستقِلَّ بالفتوى فوجهان:

أَحدُهما: أَنَّ لهما المنع؛ كما في سفر الغَزْوِ.

وأصحهما: أنه لاَ مَنْعَ لهما (١)؛ لأن الحجر على المُكَلَّفِ وحَبْسه بعيد، والسَّبَبُ في الغَزْوِ أَنَّ مَصِيره مَصْرعُ الموْتِ، وإن لم يكن هناك مَنْ يَسْتَقِلَّ بالفتْوَى، لكن خرج عند خُرُوجِه جماعةٌ، ففي الحاجة إِلى الإِذْن وَجْهان مُرَتَّبان.

وَأَوْلَى بأَنْ لاَ يحتاجُ إِلَى الإذْنِ؛ لأنه لم يُوجَدْ في الحالِ مَنْ يقومُ بالمقصودِ، والخارِجُونَ معه قد لا يَظْفَرُونَ بالمقصُودِ.

وإِنْ لم يخرجْ معه أحدٌ، فالرشيد المبادرُ إلى الخُروج لا يحتاج إِلى الإذْن؛ لأنه بالخُروجِ يدفع الحرج عن نَفْسِه فيمكَّن منه، كما إذا خَرَجَ للفَرض المُتعيَّنِ عليه.

وقَيَّدَ بعضُهم هذه الصورةَ بما إذا لم يمكنه التعليم في بَلَدِه، ويجوزُ ألاَّ يعتبر ذلك، ويكتفي بأَنْ يتوقَّعَ في السفر زيادةَ فَراغٍ أو إِرْشاد أُسْتاذ أَوْ غيرهما كما لم يقيد الحُكْم في سَفَر التجارة بأن لا يتمكَّنَ من التجارة في البَلَدِ، واكتفى بأن يتوقَّعَ زيادَةَ رَبْحٍ، أو رَوَاجٍ (٢).

وأَمَّا سَفَرُ التجارةِ وغَيْرِها، فإنّ كان قَصِيراً -فلا مَنْعَ بحالٍ، وإِنْ كان طَويلاً نُظِرَ، إِنْ كان فيه خَوْفٌ ظاهِرٌ، كركوب البَحْرِ والبوادِي المخطرة، فلا بُدَّ فيه مِنْ الاِسْتِئْذانِ (٣)، كما في سَفَرِ الجِهَادِ، ويجيء فيه ما حكينا عن "تَتِمَّةِ التَّتِمَّةِ"، وإنْ كان الأَمْر غالباً فوجهان:

في وجه، لهما المنعُ، وعليه الاستِئْذَانُ تحرزاً عما يُؤْذِيهما، وقد يُؤَيَّدُ ذلك بأنهما يمنعانِ مِنْ حج التَّطَوَّع، وإذا كان لهما أن يَمْنَعا [هُ] من العِبادَةِ، فأَوْلَى أن يكون لهما المنعُ من المُبَاحِ.


(١) في ز عليهما.
(٢) [قال في الخادم: ويتعين أن يشترط أن لا يكون أمرد جميل الصورة يخشى عليه الفساد] انتهى.
(٣) قال في الخادم قوله "نظر إن كان فيه خوف ظاهر وركوب بحر أو بادية مخطرة وجب الاستئذان" على الصحيح مخالف لما ذكره في كتاب الحج أن السفر في البحر عند غلبة الهلاك والاستواء حرام ولو كان الشخص ليس له أصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>