ابتدأَ فِيه، وربما توجه بأنَّ الإعراضَ هتك لحرمة الميت.
وقَوْلِه في الكتاب: "وَلَوْ بَلَغَ كِتَابُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ"، يشعر ظاهِرُه بالاعتمادِ على الكتاب، ويجوزُ أن يقال إنه اكتفى بالقَرَائِنِ، ويجوزُ أَنْ يُنَازعَ فيه، ويؤوّل اللفظ.
وقولُه: "إِنْ لَم يخف وهن على المسْلِمِينَ" تبين أَنَّ الخلافَ في وجوب الانْصِرافِ أَوْ جوازِ موضعه ما إِذَا لم يكن في الانْصِرَافِ خوفٌ، وإن كان لم يجز الانصرافُ.
وقولُه: "والصَّحِيحُ أَنَّ العِلْمَ وفُرُوضَ الكِفَايَاتِ لاَ يَتَعَيَّنُ بالشروع" قضيته اطرادُ الخلاف المذكور في التعليم، وسَائِر فُرُوضِ الكفايات، وحينئذٍ فيدخل فيها صلاةُ الجنازَةِ، ويغني ذلك عن قوله: "وَفِي صَلاَةِ الجَنَازَةِ خِلاَفٌ"، وكأنه أَشَارَ بهذه اللَّفْظَةِ بعد ما تبين أَنَّ الصحِيحَ في التعلم وغيره أنه لا يتعيَّنُ بالشرُوع.
إلاَّ أنَّ الخلافَ في صَلاةِ الجنازَةِ ليس كالخلاف في التعلُّم، بل الأرجَحُ في صَلاَةِ الجنازةِ وُجُوبِ الإتمام.
قال: هذا كُلُّه في قتالٍ هُوَ فَرْضُ كفاية.
فرغنا عن الكلام في أَحَدِ قِسْمَي الجهادِ، وهو فَرْضُ الكِفَايَةِ.
والقِسْمِ الثَّانِي: الذي هو فَرْضُ عَيْنٍ، وذلك إِذَا وَطِئَ الكُفَّارُ بَلْدَةَ من بِلادِ المسلمين، وأطَلُّوا عليها، فنزلوا بها قَاصِدِين، ولم يدخلوها بعد، فيصير الجهادُ فرضَ عَينٍ، على التفصِيل الذي نبيِّنُه على المشهور.
وعن ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وغَيْرِه، فيما روى القاضي الرُّويَانِي، أنه فَرْضُ كفايةٍ أيضاً، والمذهبُ الأَوَّلُ؛ لأنَّ دُخُلَوهم دارَ الإسلامِ خَطرٌ عَظِيمٌ، لا سبِيلَ إلى إهْمالِه، ولا بُدَّ من الجِدِّ في دَفْعِه بما أمكن ثم أجمع ترتيب في ذلك نَقْلاً وتصرفاً ما أفادَهُ الإمامُ، وتَلْخِيصُه:
أَنَّ أَهْلَ تلك البلدةِ يتعيَّنُ عليهم الدفْعُ بما أمكنهم، وللدفْعِ مرتبتانِ:
إحْدَاهُمَا: أن يحتمل الحال اجتماعُهم وتأهُّبهم، واستعدادُهم للموت، فعلى كُلِّ واحدٍ من الأَغْنِياءِ والفُقَراءِ التأهبُ بما يقدِرُ عليه، وإذا لم يمكنْهُم المقاومَةُ إلا بموافقة العَبِيد وجب على العَبِيدِ الموافَقَةُ، فينحل الحجر عنهم حتى لا [يراجعوا] (١) إلى مُرَاجَعةِ السادات، وإِنْ أمكَنَهُمَ المقاومة من غير موافقة العبيد فوجهان:
أَحدُهما: أن الحُكْمَ كذلك لتقوى القُلُوبُ، وتعظم الشَّوْكَةُ، وتشتد النِّكايةُ في الكفار؛ انتقاماً من هُجُومِهم.
(١) في أ: يحتاجون.